top of page

قوانين تعيين الحدود وفق القانون الدولي للبحار


- ترجمة: منال الفهيد


تُعد البحار والمحيطات - بما فيها من الموارد الطبيعية الحية وغير الحية كالأسماك والنفط والغاز وغيرها من المعادن- وسيلة أساسية للتجارة والاتصالات الدولية، ونظرًا للاعتماد المتبادل للدول والمتزايد على الموارد البحرية ومنفعتها، يتعين وضع بعض القوانين التي تنظمها ضمن الولاية القضائية للدولة، وسيادتها، وحقوقها، واعتباراتها، إلخ.

تعيين الحدود البحرية قانون يتعلق بجانب السيادة الإقليمية بين الدول وهو مجدٍ في فض النزاعات الإقليمية البحرية الدولية.


تخضع القوانين البحرية أساسًا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والقوانين العرفية، وقرارات محكمة العدل الدولية الموجِّهة والتي قد لا تكون ملزمة بطبيعتها. ومن الملحوظ أن القانون البحري خضع لتغييرات هائلة بعد الحرب العالمية الثانية بإجراءات سلمية وتوافقية. ويتيعن النظر في عوامل متعددة في أماكن المنطقة الإقليمية والمجاورة، والمنطقة الاقتصادية الخالصة، والجرف القاري، وقاع البحار العميقة، وأعالي البحار، إلخ...


كما أن مصادر القانون الأساسية والتي تنظم عموم شريحة القانون البحري هي عبارة عن مزيج من القانون العرفي والتعاهدي، ومن بينها معاهدة القانون البحري (1982) التي تلعب دورًا مهمًا. وقد سبق ذلك تطبيق معاهدات جنيف المتعددة للمنطقة الإقليمية، والمجاورة والجرف القاري وأعالي البحار واتفاقية صيد الأسماك وحفظ الموارد الحية لأعالي البحار (١٩٥٨)، وفي الأمور التي سكتت عنها معاهدة ١٩٨٢، طُبقت معاهدات جنيف لعام ١٩٥٨. أما الدول التي ليست طرفًا في أي من المعاهدات السابق ذكرها فتحكمها مبادئ القانون الدولي العام العرفي.

نوقش تعيين الحدود على عدة امتدادات إقليمية فيما يلي:


المنطقة الإقليمية:

سيادة البحار الإقليمية تشبه الولاية التشريعية الكاملة على الإقليم البري، حيث يمكن للدول أن تضع القوانين وتنظم المنطقة بالاستفادة من جميع الموارد في المنطقة الإقليمية. في بادئ الأمر لم يكن هناك حكم محدد بشأن اتساع البحار الإقليمية للدولة في معاهدة عام 1958، فقد طالبت العديد من الدول الساحلية بحدود مختلفة لحدودهم الإقليمية، مثل المملكة المتحدة التي طالبت ببحر إقليمي باتساع ثلاثة أميال بينما طالبت دول أمريكا اللاتينية بحدود إقليمية تصل إلى مئتي ميل. استمر الخلاف حتى بدأ تنفيذ المادة 3 من معاهدة القانون البحري (1982) والتي تحدد لكل دولة مسافة 12 ميلًا بحريًا من البحر الإقليمي مُقاسة من خط الأساس لكل دولة.

وبفضل ذلك قُننت مبادئ القانون العرفي في المملكة المتحدة وأُكدت. وطُبقت هذه الرؤية لمعاهدة القانون البحري أيضًا عام 1982 في قضية تعيين الحدود البحرية في غينينا/ غينيا بيساو. ومن الجدير بالذكر أنه يجب على الدول التي تطالب بأكثر من 12 ميلًا بحريًا من الحدود الإقليمية أن تحصل على إقرار الدول المطالبة بهذه الحقوق.

يجب النظر في الجانب الأوسع لنقطة البداية الأولية لخطوط الأساس فيما يتعلق بالمواقع الجغرافية لعدة دول. الطريقة المعتادة هي "الرسوم المتوازية" لتعيين الحدود بينما في حافة الناحية البرية للبحر الإقليمي ستكون علامة المياه المنخفضة على الساحل وامتدادها باتجاه البحر من هذه النقطة. يكمن قصور هذه الطريقة في حساب خطوط الأساس للدول ذات الخطوط الساحلية الوعرة أو المسننة بشدة مما يجعل تتبع خطوط الأساس مستحيلًا، تُعد طريقة خط الأساس المستقيم حلًا حيث تُرسم خطوط مستقيمة بين نقاط ثابتة من الساحل مشكّلة قاعدة هندسية لحساب الحد باتجاه البحر موجِدة في نهاية المطاف المزيد من المياه الإقليمية للدول المعنية.


طُعِن في طريقة خط الأساس المستقيم في قضية مصايد الأسماك الأنجلو نرويجية لزيادتها في المياه الإقليمية. حيث نسبت المملكة المتحدة ذلك إلى النرويج بينما نسبته محكمة العدل الدولية إلى مبادئ القانون الدولي وأن هذه الطريقة صالحة فقط في الحالات المناسبة. وانتهى قرار الأغلبية إلى أنه في حال كان الساحل مسننًا بشدة فيسمح باستخدام طريقة خط الأساس المستقيم فقط إذا لم تمتد الخطوط بدرجة ملحوظة من الاتجاه العام للساحل ويجب أن تتصل المياه في جانب اليابسة بالأرض اتصالًا صحيحًا حتى تعتبر مياه داخلية. وفي معايير الحكم المتفق عليها تحققت محكمة العدل الدولية من الفوائد الاقتصادية التاريخية للمنطقة ومنفعتها للدولة الساحلية. أُدرِج القانون لاحقًا في المادة 14 من معاهدة المياه الإقليمية (١٩٥٨)، كما أُدرِج أيضًا في معاهدة القانون البحري في المادة 7، مع إدخال تعديلات على "المرتفعات منخفضة المد".

وفيما يتعلق بتعيين حدود البحر الإقليمي مع الدول المقابلة والمجاورة فتحكمه المادة 15 من معاهدة القانون البحري "1982" مفيدة بأن البحر الإقليمي لا يتجاوز خط الوسط الذي يقع على مسافة واحدة من أقرب النقاط لخطوط الأساس للدولة الساحلية، إلا باتفاق بين الأطراف بسبب سند تاريخي أو غيرها من الظروف الاستثنائية. في مثل هذه الحالات يُعقد اتفاق وتُشكل محكمة للبت في القضية، مثل قضية سان بيير وميكيلون (كندا/ فرنسا) حيث طُلِب من محكمة التحكيم المتخصصة أن تعيّن خطًا بحريًا منفردًا لتقسيم البحر الإقليمي.

المنطقة المتاخمة (المجاورة):

تتكون المنطقة المتاخمة من 12 ميلًا بحريًا من خط أساس المياه الإقليمية، ويكمن الهدف الأساسي من تشكيل هذه المنطقة في امتيازات الدول الساحلية لفرض السيطرة ومنع مخالفة الأنظمة الجمركية، والضريبية، والصحية، وأنظمة الهجرة. ومن الملحوظ أن المنطقة المتاخمة متوازية مع المنطقة الإقليمية في 12 ميلًا بحريًا، ومن الملحوظ أيضًا أنهما منطقتين مختلفتين متوازيتين في نفس المنطقة، وقد عولج هذا العيب بامتداد المنطقة المتاخمة إلى 24 ميلًا بحريًا وفقًا للمادة 33 من معاهدة القانون البحري (1982).

وفيما يتعلق بالامتيازات في سانت فنسنت وجزر غرينادين ضد غينيا ارتأت المحكمة الدولية لقانون البحار أن الدولة الساحلية تملك سلطة فرض قوانين جمركية في منطقتها المتاخمة، وبالتالي يمكن للمنطقة المتاخمة إعطاء الدولة الساحلية اختصاصًا إضافيًا محددًا. ولكن ينشب النزاع عند مطالبة الدولة الساحلية بمنطقة متاخمة لأغراض أمنية مما قد يشمل رؤية أوسع بزيادة اختصاص الدولة الساحلية. وإضافة إلى ذلك فإن قوانين تعيين الحدود تنطبق على المنطقة المتاخمة كما هي على المنطقة الإقليمية بين الدول المقابلة والمجاورة.


المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري:

المنطقة الاقتصادية الخالصة هي المنطقة القريبة من الساحل والتي يصل امتدادها إلى 200 ميل بحري من خطوط أساس البحر الإقليمي. تمنح المادة 56 من معاهدة القانون البحري (1982) صلاحيات الدول الساحلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة كحقوق السيادة لاستكشاف الموارد الحية وغير الحية والاستفادة منها وغير ذلك من الأنشطة الاقتصادية، والجزر الاصطناعية، والبحوث العلمية البحرية، إلخ... . بينما الرصيف القاري هو امتداد البحر الإقليمي عبر الامتداد الطبيعي للأرض وصولًا إلى الحافة الخارجية للهامش القاري بمسافة تصل إلى 200 ميل بحري من خطوط الأساس التي قيس بها اتساع البحر الإقليمي. ويجب ألا يتجاوز الجرف القاري 350 ميلًا بحريًا كحد أقصى من خطوط أساس البحر الإقليمي أو 100 ميل بحري من التساوي العمقي عند 2500 متر، أي: خط العمق.

ما دام تعيين الحدود معنيًا فينبغي أن يقوم على أساس القانون الدولي لتحقيق حل منصف، حتى الحدود البحرية المشتركة يمكن أن توضع بين الدول المجاورة والمقابلة مع أخذ الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة بالاعتبار كما جاء في الرأي المخالف للقاضي أودا في قضية تونس ضد ليبيا. ولكن وفقًا للقاضي غروس في قضية كندا ضد الولايات المتحدة الأمريكية قد لا تكون طريقة الحدود البحرية المشتركة مناسبة وفق الأنظمة القانونية المختلفة لكل منطقة، وتكمن النقطة الجوهرية للموضوع في أن الجرف القاري يمتد قانونيًا إلى 200 ميل بحري مع المنطقة الاقتصادية الخالصة موجدة بذلك تداخلًا جغرافيًا في نفس المنطقة. وفي قضية الدنمارك ضد النرويج جاء في الرأي المخالف لأودا نائب الرئيس أن الحدود البحرية المشتركة لا تُفتَرض إذ أن لكل من المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري أنظمة قانونية منفصلة وتختلف من الناحية القانونية، والذي أغفله الأغلبية حسب ما يقول. فمن المهم تحقيق نتيجة منصفة وألا تَستنفذ الدول الساحلية -ذات الولاية القضائية الأوسع على منطقة الـ 200 ميل بحري- الموارد مهيئة مصالح ودية بين الدول المعنية.

وإذا تم تحليل الجرف القاري دون اعتبار المنطقة الاقتصادية الخالصة فسيكون ملحوظًا أنه وفقًا للمادة الأولى من معاهدة المياه الإقليمية (1958) بأن الجرف هو المنطقة المجاورة للساحل وقاع المحيط العميق جزء منه. إضافة إلى ذلك، من الضروري لتحقيق نتيجة ودية أن تدفع الدولة الساحلية مبالغ لسلطة قاع البحار إذا تجاوز المدى المادي 200 ميل بحري لتوزيع صحيح للموارد المحصلة مما قد يستنفد الموارد.

ويمكن أن يقع الجرف القاري أيضًا بين دولتين متوازيتين أو أكثر، مثال ذلك قضية الجرف القاري لبحر الشمال قررت محكمة العدل الدولية أنه بمقتضى المادة 6 من معاهدة الجرف القاري (1958) يجب تعيين الحدود بالاتفاق، وفي حال غيابه تُعيّن بخط وسطي متساوي البعد من أقرب نقاط خطوط الأساس للبحر الإقليمي، وتخضع للاستثناءات في حالات خاصة. إضافة إلى ذلك، قد تحوّر الدولة ذات الساحل المقعر خطًا وسطيًا مسببة تعيين حدود غير متساو، والذي يجب أن يتم بتمديد الإقليم البري بوضع غير متساوٍ من التشعبات. طُلِب من محكمة العدل الدولية في قضية تونس ضد ليبيا تحديد قواعد تعيين الحدود في الجروف القارية حيث زعمت محكمة العدل الدولية أنه في حال غياب الاتفاق يتم تعيين الحدود بمبادئ تساوي البعد لتحقيق نتيجة عادلة للدول المجاورة والمقابلة، مع أخذ الجوانب الجغرافية العامة لسواحل تونس وليبيا بالاعتبار. ووفقًا للمادة (83) من معاهدة القانون البحري (1982) يجب أن تسعى الدول لتحقيق منهج منصف، ولكن العائق يكمن في وضع تنفيذه إذ أن الحكم القانوني لا ينص عليه، لذلك تم تبني منهج مرن لقوانين تعيين الحدود وإجراءاتها. باختصار يمكن القول أنه في المواقع متعددة المناطق ذات الصراعات يجب وضع حدود بحرية مشتركة، بينما يجب إيجاد حل منصف في الحالات الأخرى لتعيين الحدود في غياب الاتفاق. مع وجوب توافق الحلول مع مبادئ القانون الدولي العرفي والتعاهدي.


قاع البحار العميقة وأعالي البحار:

يُعرّف قاع البحار العميقة بأنه قاع البحار وقاع المحيط والتربة التحتية والتي تتجاوز حدود الولاية القضائية الوطنية وفق المادة (1) من معاهدة القانون البحري (1982)، وتوجد جغرافيًا في الحافة الخارجية من الجرف القاري التي تحكمها سلطة قاع البحار. حيث يمكن لكل الدول على الصعيد الدولي ساحلية كانت أو غير ساحلية الوصول إلى قاع البحار العميقة بمقتضى المادة 141 من معاهدة القانون البحري (1982)، كما يمكن مشاركة المواد المستفاد منها من الموارد الطبيعية مع المجتمع الدولي بتوزيع الإيرادات من السلطة الدولية لقاع البحار التي تنظم المنطقة.

وتعتبر أعالي البحار أيضًا مفتوحة لكل الدول للتمتع بها دون سلطة ولأغراض سلمية فقط. وعُرِّفت أعالي البحار بأنها تلك المناطق من البحر التي لا تعد جزءًا من المياه الداخلية أو البحر الإقليمي لأي دولة. ويعد النزاع المحتمل نشوبه في أعالي البحار هو السيادة على السفن، وتوجد الإجابة على هذه المشكلة في المادة 92 من معاهدة القانون البحري (1982) والتي تقتضي بأن الدولة التي رُخِّصت فيها السفينة يكون لها الاختصاص عليها. وفي حال وجدت حالات تزوير فتتشارك كل الدول في الاختصاص على أساس متساو إذ أن المبادئ الدولية تطبق لتحقيق المصلحة العامة للبشرية.


الخاتمة:

يجب أن تكون قواعد القانون البحري القانون البحري وفقًا للقواعد والإجراءات السليمة ومن المصادر المتوفرة للقانون والتي قد تكون تعاهديه أو عرفية بطبيعتها. أما معاهدة 1982 للقانون البحري فهي مدونة شاملة تغطي تقريبًا كل جوانب تعيين الحدود والحلول الممكنة للعديد من أنواع المنازعات بين الدول. ويجب اتباع حالات تعيين الحدود المختلفة وفقًا لمبادئ القانون الدولي العرفي والتعاهدي مثل مبادئ منهج المسافات المتساوية مع التعديل في الحالات الظرفية، واحترام التركيب الجغرافي للمكان مع الامتداد الطبيعي، وإيجاد خطوط أساس في علامة المياه المنخفضة في السواحل مع أخذ جميع أنواع السواحل الجغرافية بالاعتبار واتباع نماذج هندسية لفوائد متساوية للدول المجاورة، الخ...، مع أخذ القرارات المتعددة لمحكمة العدل الدولية بالاعتبار. وبالتالي وبمعاهدة 1982 والقوانين العرفية البارزة التي تطورت بعد أعوام من الممارسة يمكن الحصول على منهج عظيم لنظام دولي واقعي وشامل لحكم وإدارة مُرضيين للمحيطات والموارد المشتركة بطريقة مُرضية.


مقتبس من:


أحدث منشورات

عرض الكل

مفهوم الحرب الباردة

- سارة العبدالحي الحرب الباردة، وصف غامض كثير التداول للمنافسة التي تحدث بين أي طرفان بينهما عدائية ليست بصريحة، فما هو أصلُ هذه الكلمة؟...

Comentários


bottom of page