- أسماء العتيبي
منذ عام ١٩٧٧م تحتفل منظمة الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وتستخدم الإعلام لتوعية الرأي العام بالقضية الفلسطينية وحق شعبها في تقرير مصيره ودعم التسوية السلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
بدأت الحكاية برسالة أشبه بشرارة أشعلت فتيل معاناة الفلسطينيين، معاناة لم تنتهي حتى اليوم، بعثها وزير الخارجية البريطاني (آرثر بيلفور) قبيل انقضاء الحرب العالمية الأولى إلى أحد زعماء اليهود في بريطانيا (البارون روتشفيلد)، والتي عبّر فيها عن تعاطف الحكومة البريطانية مع مساعي اليهود في محاولة إقامة وطن قومي لهم في فلسطين مع التأكيد على عدم المساس بالحقوق المدنية والدينية للشعوب غير اليهودية الموجودة في فلسطين.
شكّل وعد بيلفور الضّوء الأخضر لليهود بالهجرة إلى فلسطين وعلى أثر ذلك هاجرت أعداد كبيرة منهم إليها، وفي عام ١٩٢٣م حصلت بريطانيا على صك الانتداب الفلسطيني التي وضعت فيه عصبة الأمم أراضي الدولة العثمانية سابقاً تحت الإدارة البريطانية.
تبع توافد اليهود على المنطقة - والذي تزايد بعد اضطهاد النازيين أو ما يعرف بال"الهولوكوست"- نداءات عربية تطالب بمقاومة هذه الهجر، وبالاستقلال الاستقلال! فقرعت حينها طبول الحرب وعلا دوي الرّصاص على الأراضي الفلسطينية وأحيلت القضية إلى الأمم المتحدة.
وفي التاسع والعشرين من نوفمبر عام ١٩٤٧م قررت الأمم المتحدة في قرارها (١٨١) إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها إلى دولتين، إحداهما عربية فلسطينية والأخرى يهودية اسرائيلية، مع وضع القدس تحت وصاية دولية، وأصبح هذا القرار هو الأساس القانوني لبناء دولة إسرائيل.
استاء العرب من هذا المشروع أيّما استياء وخاصّة عرب فلسطين فأقاموا المظاهرات والاحتجاجات على هذا التعدي الصارخ على وطنهم في كافة أنحاء شبه الجزيرة العربية.
نتيجة لذلك أقامت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية اجتماعاً بهدف اتخاذ موقف عربي موحد، قررت فيه عدّة أمور أبرزها، إرسال مذكرات إلى حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا، توضّح فيه بأن كل قرار يتخذ بصدد قضية فلسطين يخلو من النص على قيام دولة عربية مستقلة يهدد بإثارة اضطرابات خطيرة في الشرق الأوسط.
كما قررت بأن تنفيذ هذا التقسيم يرتّب خطر محقق على الأمن والسِّلم في فلسطين والوطن العربي تباعاً ولذلك عزمت على مقاومة تنفيذ هذه المقترحات بكافّة الوسائل ودعم الشّعب الفلسطيني بالمال والأفراد والسّلاح لمقاومة هذا الاحتلال.
نتيجة لذلك استمرت المقاومة الفلسطينية بدعم عربي وقامت معارك عديدة نفّذت فيها إسرائيل عملية تطهير عرقي كشف عن وجودها الدكتور الإسرائيلي (إيلين بابِه)، دمرت ٥٣٠ قرية وأفرغت ١١ مدينة، وانتهت ١٩٤٨م بما يعبّر عنه الفلسطينيون ب"النكبة"؛ لاحتلال اليهود مساحات أكبر من تلك المقررة لهم بموجب خطّة التقسيم وتشريد أعداد مهولة من الفلسطينيين خارج وطنهم والاعتراف بإسرائيل دولياً كدولة مستقلة وقبولها عضواً في منظمة الأمم المتحدة في عام ١٩٤٩م.
لم تقنع إسرائيل عند ذلك الحد واستمرت رغبتها بالتّوسع، ففي ١٩٦٧م استولت على الأجزاء المتبقية من فلسطين وواصلت التمدد خارجها ومهاجمة الدول العربية فيما يعرف عربياً ب"النّكسة" أو حرب الأيام الستة.
بدأت الحرب ببلوغ تقرير لِمصر من المخابرات السوفييتية بتجمّع حشود من القوات الإسرائيلية بجانب الحدود السّورية وهو ما دفع الرئيس (جمال عبدالناصر) لإرسال الجيش عند حدود سيناء بهدف حماية سوريا من الغزو.
رغم تحذير الرئيس الأمريكي (جونسون) دولتي مصر وإسرائيل من عدم شن الهجمة الأولى، بادرت إسرائيل بتدمير السلاح الجوي المصري في مطاراته بعدأن أقفل (جمال عبدالناصر) مضيق تيران ومنع السفن من الدخول لميناء إيلات الإسرائيلي.
شارك في هذه الحرب كلٌّ من العراق والأردن وسوريا وبهزيمة ساحقة بقيت الأخيرة في أرض المعركة ووافق وزير الدفاع السوري (حافظ الأسد) حينها على قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار وتبعه في ذلك إسرائيل ولكن الضرر كان قد وقع بالفعل.
تضاعفت الحدود الإسرائيلية ثلاثة أضعاف نتيجة ما ضمّته إسرائيل من أراضي بعد الحرب، ومن ضمنها مرتفعات الجولان السورية، والضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة في فلسطين، وسيناء في مصر.
كردّة فعل لهذه الانتهاكات الدولية المستمرّة صرّح مجلس الأمن في قراره رقم (٢٤٢) بعدم جواز اكتساب الأراضي بالحروب، وأكد على التزام كل الدّول الأعضاء عند موافقتهم على ميثاق الأمم المتحدة بالمادّة (٢) منه والتي نصّت في الفقرة (٤) منها على أنه: "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة".
وبيّن ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير، وهو ما نصّ عليه القرار في نسخته الفرنسية وغيرها، في حين نصّ القرار في نسخته الإنجليزية على لفظ "أراضِ احتلت في النزاع الأخير" فقط دون تحديد ماهية هذه الأراضي، وهذا الغموض كان من شأنه دعم الموقف الإسرائيلي وتفسيره بإعفاء إسرائيل من الانسحاب من كافة الأراضي التي احتلها في يونيو ١٩٦٧م.
استغل الجانب الإسرائيلي ذلك الغموض لصالحه بالتنصل من تنفيذ هذا القرار، مما يعني أن انسحابها يتطلّب التفاوض مع الأطراف المعنية على ذلك، وهو ما قامت به مصر بحيث استعادت سيناء مقابل الاعتراف بإسرائيل دولياً بموجب اتفاقية سلام وقّعها الرئيس أنور السادات، وهذه الخطوة شكلت أكبر خذلان عربي للشعب الفلسطيني حينها.
على الرغم من تعدد القرارات الصادرة من الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجمعيات الأخرى التي تدين جرائم الاحتلال وخطط الاستيطان وتهويد القدس وتجاوزها الألف قرار حسب ما ذكر أستاذ القانون الدولي (حنا عيسى) إلا أن إسرائيل لم تطبق سوى قرار ونصف من تلك القرارات، وهما قرار (٢٧٣) المتعلق بقبولها عضواً في منظمة الأمم المتحدة وقرار (١٨١) المتعلق بتقسيم فلسطين ولم تطبق منه سوى الشق المتعلق بقيام دولة إسرائيلية فحسب.
مما يؤكد محدودية قدرات منظمة الأمم المتحدة على إجبارها خاصة في ظل غياب قوات مسلحة تابعة لها تساعد في تنفيذ قراراتها أو فرض عقوبات على الدول المخالفة للقوانين والمعاهدات الدولية عند الحاجة.
كما يعيق تطبيق القوانين الدولية وإيجاد حلول استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو لتعطيل كافة القرارات التي حاول مجلس الأمن إصدارها فيما يتعلق بإدانة الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة ومنع تحويل جرائمها للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها حليف استراتيجي لها، وإن أدّى ذلك لانتهاك حق المدنيين بالحياة واستمرار الحروب والنزاعات.
ونرى اليوم استمرار ضغوط الحكومة الإسرائيلية على المواطنين الفلسطينيين عبر إخراجهم بموجب أحكام قضائية إسرائيلية مجحفة تنتزع منهم ممتلكاتهم وتمنحهم خيار دفع الإيجارات المرتفعة وإلا الطرد، كما حصل مؤخراً في حي الشيخ جراح الواقع في مدينة القدس الشرقية المحتلة منذ عام ١٩٦٧م والذي قررت اسرائيل بناء مستوطنات لليهود فيه، أو إطلاق صواريخ تحذيرية على أسطح منازل المدنيين كما هو الحال في الضفة الغربية وغزة كتحذير مسبق للإخلاء خلال دقائق وإلا التدمير بالصواريخ.
خُذل الفلسطينيون عشرات بل مئات المرات عبر التاريخ ولم يكن الخذلان دولياً فحسب بل خذلتهم قيادتهم كذلك عبر تنصلها من محاولات إيجاد حلول تعطيهم شيئاً من السّلام، وكشاهد عيان على هذا الخذلان قال الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة في الولايات المتحدة سابقاً: "القضية الفلسطينية قضية عادلة، محاميها فاشلون".
ولا تزال الحلول المقدمة اليوم تسلب حقوقاً أكثر مما تعطيها وتناقش القضية الفلسطينية كقضية لاجئين وليس وطن مغتصب بالاحتلال، ولايزال حنظلة صبيٌ في العاشرة من عمره مكتّف اليدين مديرَ الظّهر إلينا، إنسانٌ عربي فحسب حتّى يعود للوطن.
Comments