-ترجمة: ياسمين القحطاني
يقلب تغير المناخ حياة الناس رأسًا على عقب في جميع أنحاء العالم، ولكن عندما تجبرهم الكوارث الطبيعية - كالجفاف أو الفيضانات أو ارتفاع مستوى سطح البحر- على مغادرة بلدانهم، فغالبًا ما يجد الناس حدودًا مغلقة ومساعداتٍ محدودة. وتعد القوانين والأنظمة والاتفاقيات الدولية الحالية بشأن المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء جزءًا من المشكلة؛ إذ أنها توفر القليل من الحماية الخاصة -إن وجدت- لأولئك الذين أُجبروا على المغادرة بسبب الأحوال المناخية.
تركز القوانين الوطنية في المقام الأول على العنف والنزاع كمحركين للهجرة القسرية، ونادرًا ما يُؤخذ الإجهاد البيئي في عين الاعتبار، ففي الواقع لا يوجد حاليًا لدى أي دولة معايير بيئية للقبول في نظام الهجرة، فالاتفاقيات الدولية (كالميثاق العالمي للهجرة الآمنة والنظامية والمنتظمة، والميثاق العالمي للاجئين) تشير إلى آثار الكوارث الطبيعية والتدهور البيئي، ولكنها ليست ملزمةً قانونيًا بإجبار الدول لوضع معايير لقبول مهاجري المناخ.
وقد بدأت إدارة الرئيس بايدن في اتباع أساليب جديدة لتحديد مهاجري المناخ ومساعدتهم، ولكن الهجرة جرّاء تغير المناخ معقدة، فغالبًا ما يكون الإجهاد البيئي المرتبط بتغيير المناخ العامل الوحيد الذي يدفع الناس إلى الهجرة، فلنأخذ على سبيل المثال مهاجري جمهورية غواتيمالا الذين كافحوا في ظل الجفاف الشديد وهبوب العواصف محاولين دخول الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يخشى العديد منهم الجرائم والعنف الذي قد يحصل لهم في حال انتقالهم إلى مدن بلدهم بحثًا عن العمل، بينما يبحث آخرون عن فرص لا يملكونها هم ولا أطفالهم، وفيما يلي بعض التحديات الرئيسة التي تواجهها إدارة بايدن والأسباب التي تجعل هذا الجهد لا يحتمل الانتظار.
- كم يبلغ عدد المهاجرين نتيجة تغير المناخ في العالم؟
في الواقع، لا أحد يعرف بالضبط كم عدد مهاجري المناخ الموجودين حتى الآن أو عدد الأشخاص الذين سيهاجرون بسبب المناخ مستقبلًا، ولكن التقديرات الحالية تشير إلى أن أعدادهم مرتفعة.
ومن المرجح أن يؤدي تسارع وتيرة تغير المناخ إلى جانب تعداد سكان العالم الذي اقترب من ٨ مليار نسمة إلى خلق ضغط غير مسبق في جميع أنحاء العالم في السنوات المقبلة؛ حيث تظهر الدراسات الحديثة أن فترات الجفاف الطويلة والقصيرة مرتبطة سلفًا بزيادة الهِجَر، وغلبت حاجة الهروب من المخاطر والتهديدات على رغبة البحث عن فرص مع اشتداد هذا الضغط وأصبحت المحرك الرئيسي للهجرة الدولية.
هذا وقد تسببت الكوارث في نزوح أكثر من ٢٣ مليون شخص سنويًا خلال العقد الماضي، وتنقل معظمهم بين مدن بلدانهم وفقًا لتقرير حالة المناخ العالمي الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وتتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن عدد المهاجرين سيزداد مع اشتداد الاحتباس الحراري، فيما يتوقع البنك الدولي أن تغير المناخ لوحده سيدفع ١٤٣ مليون شخص في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وجنوب آسيا إلى مغادرة بلادهم بحلول عام ٢٠٥٠حيث يأتي الكثير منهم من مناطق فقيرة لم تساهم كثيرًا في ظاهرة الاحتباس الحراري.
- التعريفات القانونية لمصطلح «لاجئ» محدودة:
كشف الباحثون مؤخرًا بأن الحروب والصراعات هما مصدران أساسيان للنزوح، وبدأ بعض الباحثين في مطلع الثمانينات باستخدام مصطلح «اللاجئ البيئي» لأولئك الذين أُجبروا على ترك بلادهم نتيجة الاضطرابات المتعلقة بأحداث بيئية بشرية أو طبيعية، مثل التصحر وإزالة الغابات وتدهور الأراضي وارتفاع مستويات سطح البحر، ولكن التعريف الدولي للاجئين لا يشمل تغير المناخ.
ويحدد ميثاق اللاجئين الصادر عن الأمم المتحدة لعام ١٩٥١ الالتزامات والمسؤوليات التي تتحملها الدول الأعضاء تِجاه اللاجئين، وتعرّف هذه الاتفاقية اللاجئين بأنهم الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من أوطانهم بسبب الخوف من الاضطهاد القائم على أساس العرق، أو الدين، أو الجنسية، أو العضوية في فئة اجتماعية معينة أو في رأي سياسي.
وفي المقابل، لا يُعرّف القانون الدولي العام المهاجرين عامةً أو مهاجري المناخ خاصةً بوضوح، فبالتالي يخضع جميع المهاجرين لقوانين الهجرة في بلاد المقصد؛ نظرًا إلى أن قوانين الهجرة هذه تفتقر أيضًا إلى المعايير البيئية لقبول المهاجرين، لذا لا يجد المهاجرون في كثيرٍ من الأحيان مكانًا يذهبون إليه بسبب المناخ.
- وجهات النظر المتغيرة حول الهجرة المناخية:
العديد من مهاجري المناخ معرضين للخطر الشديد بالرغم من أنهم لا يُعدَون لاجئين قانونيًا. ومن المرجح أن يكون مهاجري المناخ أكثر عرضةً للفقر من معظم المهاجرين الدوليين؛ نتيجة افتقارهم إلى الموارد مما قد يُعرضهم لضرر جسيم؛ حيث تدقق العديد من السياسات في الآفاق الاقتصادية للمهاجرين عامةً قبل السماح لهم بالدخول.
علاوةً على ذلك، فإن مهاجري المناخ لا يتناسبون أبدًا مع أولئك الذين يهاجرون طواعية أو الذين نزحوا بسبب عوامل خارجة عن إرادتهم.
لنتناول قضية اللاجئ إيوان تيتيوتا على سبيل المثال، وهو رجل من جزيرة كيريباتي سعى للبحث عن مركز للاجئين في نيوزيلاندا عام ٢٠١٣، ولكنه رُحِّل في نهاية المطاف بحجة أن حياته لم تكن في خطرٍ محتم في وطنه، وبالرغم من أن جزيرة كيريباتي لم تغرق حتى الآن، إلا أنها تتعرض للضغط حيث أصبحت الأراضي الصالحة للسكن أكثر ندرة وإمدادات المياه أكثر تلوثًا بالمياه المالحة.
ورفضت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة استئناف قضية اللاجئ تيتيوتا في عام ٢٠٢٠، ولكنها حذرت أيضًا من أن الحكومات قد تنتهك اتفاقيات الأمم المتحدة إذا أعادت الأشخاص إلى الظروف التي تسبب فيها تغير المناخ لمخاطر تهدد الحياة.
- إعادة النظر في دور الكوارث:
لقد أصبح لتغير المناخ والضغوط البيئية الأخرى دوافع للنزوح على نحو متزايد، ولكن بطرق لا تتناسب تمامًا مع الانقسام الباهي الذي يستخدمه القانون والسياسة للتمييز بين اللاجئين والأشخاص الآخرين المتنقلين، لذا نعتقد بأن الوقت قد حان للبلدان في جميع أنحاء العالم لإعادة النظر في دور الكوارث وتغير المناخ في الهجرة والاعتراف بحقوق النازحين نتيجةً للأسباب البيئية وإصلاح القوانين والسياسات الدولية والوطنية التي باتت قديمة عمّا هو معروف اليوم بشأن تغير المناخ والنزوح، وقد تتردد الدول في تقديم ما قد يبدو وكأنه بوابة جديدة للمهاجرين، ولكن الأدلة تشير إلى أن أعداد هؤلاء المهاجرين سترتفع مستقبلًا ، والبلدان بحاجة إلى الاستعداد لذلك.
- مقتبس من موقع The conversation
Comments