- فهد الدغيثر
نبذة عن الأمير سعود الفيصل:
هو رجل وعرّاب العلوم السياسية، ودبلوماسي محنّك من الطراز النادر في عالم السياسة، وأطلق عليه عميد الدبلوماسية العربية.
وُلد الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- في السابع من شهر يناير لعام 1940م في مدينة الطائف، وهو أحد أبناء الملك فيصل -رحمه الله-، وتلقى تعليمه في أرقى وأقوى الجهات التعليميّة في العالم حيث درس في مدرسة هون وبرينستون في نيوجرسي في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم التحق بجامعة برينستون وحصل على بكالوريوس في الاقتصاد عام 1964م.
تدرج سعود الفيصل في عدة مناصب حتى عيّنه الملك خالد -رحمه الله- وزيراً للخارجية خلفاً لوالده الملك فيصل -رحمه الله-، ويعد ثالث وزيراً للخارجية في تاريخ المملكة العربية السعودية. وأمضى الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- عمره وكرّسه وأفناه في خدمة الوطن، حيث شغل منصب وزير الخارجية من عام 1975م وحتى عام 2015م، أي ممّا يزيد عن 40 عاماً، وهي أطول فترة يقضيها وزير خارجية على مستوى العالم. كان -رحمه الله- طلِقَ التحدث في 6 لغات، بالإضافة إلى لغته العربية الأم، وهي: الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والإسبانية، والألمانية، والعبرية. كما ساهم -رحمه الله- في تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981م.
وبعد وفاته -رحمه الله- كُرّم في عام 2016م من قبل هيئة الملك فيصل للبحوث الإسلامية في مؤتمر دولي أقيم من قبل الهيئة تحت عنوان (سعود الأوطان) لاستعراض سيرته وإنجازاته، وكرمته دولة الكويت الشقيقة كذلك من خلال مجلس العلاقات الدولية، وأُطلق اسمه على المعهد الخاص بالدراسات الدبلوماسية ليصبح مسمّاه (معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية). كما أطلق وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي اسمه -رحمه الله- على مبنى المؤتمرات في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في الرياض، وتم تسمية عدد كبير من الشوارع في مختلف مدن ومناطق المملكة باسمه -رحمه الله-.
كما قامت مملكة البحرين الشقيقة البحرين بتسمية أجد شوارعها في المنامة باسم الأمير سعود الفيصل -رحمه الله، كما أطلق اسمه على مركز الأبحاث الوطني الخاص بأبحاث الحياة الفطرية في السعودية ليصبح (مركز سعود الفيصل لأبحاث الحياة الفطرية).
مناصب الأمير سعود الفيصل:
بعد تخرجه -رحمه الله- عمل مستشاراً اقتصادياً في وزارة الطاقة السعودية، وكان أحد أعضاء اللجنة المنسقة في وزارة الطاقة أيضاً، وعمل كذلك في المؤسسة الخاصة بالبترول في المملكة العربية السعودية، وقد عمل كنائب لمدير بترومين الخاصة بالتخطيط، ثم أصبح وكيلاً في وزارة البترول عام 1971م ، وفي عام 1974م عمل بجانب عمر السقاف الذي كان يشغل منصب وزير خارجية المملكة العربية السعودية حينها، وفي عام 1975م شغل منصب وزير الخارجية للملكة العربية السعودية ومثّل المملكة العربية السعودية في كافة أمورها الخارجية، كما شغل عدة مهام ومناصب أخرى منها منصب نائب رئيس هيئة الإعلام السعودي، وعضواً في هيئة البترول السعودية، وعضواً كذلك في الإدارة الوطنية الخاصة بتنظيم وحماية وتطوير الحياة الفطرية، وعضواً في المؤسسة الخيرية للملك فيصل، كما تولى رئاسة مجلس إدارة المدارس الخاصة للملك فيصل، كما شارك كعضو في بعض اللجان العربية مثل لجنة لبنان العربية، ولجنة القدس، واللجنة الخاصة بالتضامن العربي.
وكان آخر منصب تولاه -رحمه الله- تعيينه كوزير للدولة وعضواً في مجلس الوزراء، ومستشاراً خاصاً ومبعوثاً، والمشرف على الشؤون الخارجية للبلاد.
مواقف وجهود الأمير سعود الفيصل في قضايا الأمة العربية والإسلامية:
كان للأمير سعود الفيصل -رحمه الله- سيرة عطرة ومسيرة حافلة بالحنكة السياسية، والمواقف الشجاعة والحاسمة التي لا ينساها التاريخ في الدفاع عن الأمتين العربية والإسلامية، وبمواجهة مختلف التحديات والأزمات السياسية من خلال تأسيس نهجاً دبلوماسياً لوطنه وأمته بإيجاد موقف عربي موحد تجاه القضايا العربية والسعي وراء الحلول لهذه المشكلات والقضايا، وكان لجهوده وزياراته المتكررة للزعماء والسياسيين في مختلف الدول دوراً رئيسياً في حفظ السلام واستقرار المنطقة، وفي مقالنا هذا نوضح أبرز هذه المواقف:
عاصر الأمير سعود الفيصل أحداثاً مهمة على المستوى العربي والإقليمي والدولي، ومن أبرزها وأهمها هي القضية الفلسطينية التي كانت في مقدمة اهتماماته، مرورًا بثورة الملالي في طهران واتفاقية كامب ديفيد بين مصر و"إسرائيل" في عام 1978 م، كما لعب دوراً هاماً في إنهاء الحرب الأهلية في لبنان وصياغة اتفاق الطائف عام ١٩٨٩م، ولم يدخر جهدًا منذ غزو العراق بقيادة صدام حسين لدولة الكويت الشقيقة في عام 1990م، وكان يسعى جاهدًا لتذليل الصعاب وجمع قوات التحالف من مختلف دول العالم العربي والإسلامي والغربي لتحرير الكويت في عام 1991م، وعقبها أحداث ١١ سبتمبر عام 2001م وتوابعها من تغير نظرة العالم تجاه الإسلام والمسلمين، ورفضه للغزو الأمريكي للعراق في عام 2003م، ووصولاً إلى عام 2010م واندلاع ثورات الربيع العربي وامتدادها لمملكة البحرين الشقيقة ودوره الحاسم في تدخل قوات درع الجزيرة لحفظ أمنها وتأمين منشآتها الاستراتيجية، وما عقب ذلك من سيطرة ميليشيات الحوثي في اليمن ليؤدي هذا الحدث إلى تشكيل أول تحالف عربي لحفظ الاستقرار في اليمن.
كان -رحمه الله- له أدوار ومساهمات عديدة في مختلف الأحداث والأزمات التي مرت بها الأمتين العربية والإسلامية وما زالت الأمتين تستذكر بصماته في معالجة كثير من الملفات المعقدة دفاعاً عن حقوق الأمتين ومصالحهما وكرامتهما.
أشهر أقوال الأمير سعود الفصيل:
اشتهر الأمير سعود الفيصل بسرعة بديهته، وصبره، وحسن تصرفه في أصعب المواقف، ويعد مدرسة في فنون الرد والحنكة السياسية في أقواله وخطاباته ورسائله دفاعاَ عن المملكة العربية السعودية والأمتين العربية والإسلامية وقضايا الشرق الأوسط في شتى المحافل الدولية، ممّا يدل على ما يتمتع به -رحمه الله- من الحكمة البالغة والبصيرة النافذة.
ومن أقواله الشهيرة للأمير سعود الفيصل -رحمه الله- وأبرزها:
ما وجهه أمام مجلس الشورى حين قال: "لسنا دعاة حرب، ولكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها"، وذلك في إطار تعليقه على الأزمة اليمنية، حيث أكد أن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة والخليج والأمن القومي.
وفي خطابه بمجلس الشورى وصف سوريا: "لقد فاقت المأساة السورية كل حدود، وأصبحت وصمة عار في جبين كل متخاذل عن نصرة هذا الشعب المنكوب".
وعن بعد نظر ورؤية الأمير سعود الفيصل السياسية والاقتصادية قال في عام 2004م " إن السعودية تحتاج إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة في ترتيب إجراءاتها الأمنية".
ما قيل من الرؤساء والقادة عن الأمير سعود الفيصل:
أجمع العالم، قادةً ومسؤولين عرب وأجانب؛ على أن الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- من الرجال القلائل الذين اجتمعت القلوب على محبته واحترامه لصدقه وحكمته في كثير من الأحداث والمواقف، وحظي الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- بمدح وإشادة لدهائه وحكمته ومواقفه البطولية. كما أثنى عليه الرؤساء والزعماء في كل أنحاء العالم، ووصفوه بكيسنجر العرب، والمنقذ، والحكيم وعميد الدبلوماسية العربية. كما وصفه وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بفقيه السياسة والدبلوماسية وأنه وسيبقى في ذاكرتهم معلماً تاريخياً بارزاً.
قال عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في رسالة وداعه للأمير سعود الفيصل -رحمه الله- عندما تنحى عن منصب وزير الخارجية، إنه سيواصل استشارة الأمير سعود الفيصل، وأشاد بحكمته حيث قال بأن الأمير سعود الفيصل ليس من أقدم وزراء الخارجية في العالم وحسب، ولكنه أحكمهم. حيث ساعد الأمير في قيادة المملكة في فترة مليئة بالاضطرابات والأزمات في منطقة الشرق الأوسط. وأضاف جون كيري أن وزير الخارجية الأسبق سعود الفيصل عاصر 12 وزيراً للخارجية للولايات المتحدة الأمريكية وكان محل إعجابهم جميعاً ومحل احترام عالمي.
وقال عنه وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان:
إن الفيصل طراز نادر من الوزراء، والتي لا يملك المرء إلا أن يقف أمام دهائها، وشاعريتها، ولطافة قولها وحزم فعلها. وفي مقال الشيخ عبد الله بن زايد ذكرأن ميخائيل غورباتشوف، آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي، قال: "لو كان لدي رجل كسعود الفيصل، ما تفكك الاتحاد السوفيتي".
وقال عنه وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة: "أن الأمير سعود الفيصل أدى دوراً دبلوماسياً عظيماً، وحكيماً، وناجحاً خلال الفترة التي مرت بها مملكة البحرين في عام 2011م"، وقال: "أن الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- كان يعتبر في تلك الفترة بمثابة وزير خارجية مملكة البحرين".
وأضاف: "عملت مع الأمير سعود الفيصل منذ نحو 10 سنوات بحكم عملي في السلك الدبلوماسي، وكنا نلتقي بين الحين والآخر في مختلف المجالات، وتعلمت منة الكثير، حيث رأيته في أصعب المواقف وتعلمنا منه كيفية التعامل معها".
وأبدى وزير الخارجية الفرنسي الأسبق هيرفيه دو شاريت إعجابه بالأمير سعود الفيصل -رحمه الله- حيث قال: "إنه من المعجبين بالأمير وبالعمل الذي قام به طيلة 40 عاماً على رأس الدبلوماسية السعودية". وقال: "إن الأمير سعود الفيصل طبّع الدبلوماسية السعودية بطابعه خلال سنوات طويلة يحسده عليها كثير من وزراء الخارجية الذين لا يمضون عادةً عُشر ما أمضاه الفيصل وزيراً للخارجية"، ويضيف هيرفيه دو شاريت: أن السعودية التي خدمها الفيصل وزيراً للخارجية "لعبت دورها كاملاً كقطب للاستقرار والأمن في الشرق الأوسط".
وذكر الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى: "إن الأمير سعود الفيصل شخصية دبلوماسية رفيعة المستوى، شهدت له الساحة العربية والدولية بكثير من المواقف التي خدمت المنطقة العربية، مؤكداً أن بصماته وفكره أصبحا ملكاً للشباب السعودي داخل وخارج الديوان السياسي للمملكة".
وأضاف موسى: "أن الفيصل من أفضل الرجال المشهود لهم في الحياة الدبلوماسية، مشيراً إلى أن وجوده على الساحة السياسية العربية كان مطمئناً وبمثابة صوت العقل والرصانة، بالإضافة إلى صفاته الشخصية الأخرى، وسوف نفتقده جميعاً سواء الذين في السلطة أو الحياة العامة".
وتقول وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بمذاكرتها: "حذرت الأمير سعود الفيصل من إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين2011م لأن ذلك قد يُسبب أزمة بين أمريكا والسعودية ولكن الأمير سعود أغلق الهاتف في وجهي، وتم إرسال القوات إلى البحرين".
وقال عنه الرئيس العراقي السابق صدام حسين: “سعود الفيصل أدهى من قابلت في حياتي؛ فحين كنت أحارب إيران جعل العالم معي، وبعد أن دخلت الكويت قلب العالم ضدي وكل ذلك يكون في مؤتمر صحفي واحد".
وذكر وزير الخارجية البريطاني الأسبق ديفيد ميلباند: “إن سعود الفيصل يستطيع أن يحصل على ما يريد، لا يهمه أن يفقد علاقاته وصدقاته في مقابل الحقّ والوضوح”.
ويقول أحد مستشاري الرئيس الروسي الأسبق بوتين "إن الأمير سعود الفيصل يتحدث بوضوح تام يجعل محادثيه في حيرة من أمرهم كيف يكون وزير خارجية بهذا الصدق"
وفاته:
رحم الله الأمير سعود الفيصل وأسكنه الله فسيح جناته، لقد أفنى عمره وحياته وكرس جهده وإخلاصه في عمله على أكمل وجه، وتحمل كافة الضغوط والصعاب والمشاركة في حل المشكلات السياسية. وعلى الرغم من المضاعفات الصحية التي حصلت له -رحمه الله- وزيارته للمستشفيات للعلاج وإجراء العمليات الصحية، لم يتوانى -رحمه الله- عن أداء واجبه من حضور الاجتماعات والسفر المتكرر لتمثيل وطنه والدفاع عنه، وللمساهمة في حل الأزمات السياسية.
وقد لاقى ربه وتوفاه الله في التاسع من يوليو عام 2015م الموافق 1435هـ بعد أن ناهز ٧٥ عاماً في مدينة لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية بعد معاناة وصراع مع المرض، ونقل جثمانه إلى المملكة العربية السعودية وأديت عليه صلاة الجنازة في الحرم المكي وحضرها العديد من الملوك والرؤساء والزعماء والمواطنين ودفن في مدينة مكة المكرمة.
ساد الحزن دول العالم كافة، والمملكة العربية السعودية خاصة، بفقدان المرحوم البطل الراحل الأمير سعود الفيصل، وقد ترك الفقيد الراحل رحمه الله إرثاً عظيماً وبصمة ومدرسة رائدة في السياسة الخارجية الحكيمة والعقلانية المنطقية، مما تَوَحّد رد الفعل الدولي حزناً على وفاته، حيث اهتزت دول العالم أسى لفقدان أمير الدبلوماسية العربية وفارس وعراب السياسة.
جزاه الله عنّا وعن وطنه خير الجزاء، وأسكنه الله الفردوس الأعلى في جناته.
Comments