-الجوري الملحم
تعريف المنظمة ومن يشغل عضويتها:
تعد المنظمة الدولية عنصرًا أساسيًا في المجتمع الدولي؛ لكونها إحدى الوسائل الضرورية لإقامة العلاقات بين الدول وتحقيق إرادة الجماعات الدولية. وتُعرّف المنظمة الدولية بعدة تعاريف قدمها الفقهاء، فتُعرّف على أنها: هيئة تتفق مجموعة من الدول على إنشائها ككيان مستقل للعمل على تحقيق مجموعة من الأهداف، وتمنح من أجل ذلك بعض السلطات والاختصاصات التي يتكفل الميثاق المنشئ للمنظمة ببيانها وتحديدها.
كما عرّفتها لجنة القانون الدولي العام التابعة للأمم المتحدة بأنها: تجمع دائم من الدول مزود بأجهزة موجهة للتعبير عن المصالح المشتركة، وبإرادة مستقلة عن الدول الأعضاء.
وممّا سبق؛ يمكننا التوصل بأن المنظمة عبارة عن تجمّع بين الدول بموجب إرادتها وتوجهها الحر، ويكون ذلك بموجب اتفاق وفقًا للقانون الدولي العام، ولكن هل هذا التعريف شامل لكل المنظمات؟
بالطبع لا، لكون عضوية المنظمات لم تعد حكرًا على الدول وحسب، بل قد تشمل العضوية الدول وكيانات أخرى.
ومما يميز المنظمة هو أن إرادة المنظمة الدولية عند إنشائها تكون مستقلة عن إرادة الدول الأعضاء فيها، والاستقلال المقصود هنا هو الاستقلال القانوني والسياسي. ويشترط وجود قانون خاص بالمنظمة الدولية يتكون من معاهدة تحتوي على مواد تتعلق بمسؤولية المنظمات، وبموجب توافر الأجهزة والشخصية القانونية تساهم المنظمة الدولية في إعداد مشروع معاهدة جماعية أو يمكن إعدادها من قبل مؤتمر دولي.
الأسلوب الأول: إعداد مشروع معاهدة جماعية من قبل منظمة دولية:
تعتبر المنظمات الدولية الطريقة الأمثل لإعداد وإبرام المعاهدات الدولية، ويعود ذلك لما لديها من إمكانيات مادية وبشرية لإعداد هذه المعاهدات، فالمنظمة تتولى مهمة إعداد المعاهدة وتحضير مشاريعها.
ويعد هذا الأسلوب من الأساليب المتبعة في المنظمات الدولية ويُلجألهذا الأسلوب لعدة أسباب منها:
قد يكون موضوع المعاهدة ذا أهمية خاصة، أو ملحة لا تتوجب الانتظار؛ فتسارع المنظمة الدولية عن طريق إحدى أجهزتها بإعداد مشروع المعاهدة حول موضوع معيّن على وجه السرعة وإقراره وإرسال الطلب إلى الدول الأعضاء بالمصادقة عليه وحثّها على عقد المعاهدة.
وإعداد المعاهدات الدولية من قبل المنظمات الدولية حسب رأي بعض كتاب القانون الدولي العام، هو الإطار الطبيعي لتطوير وتكوين القانون الدولي العام، لدور هذا الأسلوب في تنظيم العلاقات القانونية ما بين الدول، أو ما بين المنظمات الدولية.
ولبيان كيفية إعداد مشاريع المعاهدات الدولية من قبل المنظمات الدولية، يجب علينا التطرق إلى نقطتين مهمتين هما: الأسلوب المتبع في الإعداد، وتحديد الأساس القانوني الذي تستند عليه المنظمة الدولية.
1- الأسلوب المتبع في الإعداد:
جرى العمل الدولي أن تتبع المنظمة الدولية لإعداد مشروع المعاهدة الدولية الخطوات التالية:
1. تصدر الجمعية العامة أو المؤتمر العام للمنظمة -بحسب ميثاق كل منظمة- قرارًا يتضمن بحث ومناقشة موضوع المعاهدة المُراد إعدادها.
2. تُشكل لجنة خاصة من ممثلي الدول الأعضاء لدراسة وبحث الموضوع المراد إعداد المعاهدة فيه، وإعداد مشروع تمهيدي حوله. وقد تكون هذه اللجنة قائمة وموجودة مسبقًا – عبارة عن لجنة أو هيئة فرعية تابعة للمنظمة مثل لجنة حقوق الإنسان أو لجنة الاستخدام السلمي للفضاء-.
وتقوم اللجنة المعنية بدراسة مشروع المعاهدة وقد يستمر ذلك لعدة سنوات، وفي هذا الأثناء يتم استدعاء الدول والمنظمات الدولية المهتمة بموضوع المعاهدة للمشاركة في إعداد المشروع في جميع دورات اللجنة بصفة أعضاء أو مراقبين، ويتاح للدول والمنظمات فرصة للتحدث وتقديم الاقتراحات.
3. بعد دراسة الموضوع من قبل اللجنة المختصة يُرسل مشروع المعاهدة من طرف الجمعية العامة أو المؤتمر العام للمنظمةالدولية إلى الدول الأعضاء لإبداء ملاحظاتهم وتعليقاتهم عليه، وتقوم هذه الدول بدراسة ومناقشة المشروع والتعديل عليه وفقاًلما تراه مناسبًا، بعد ذلك ترسله إلى اللجنة المسؤولة باستلاماقتراحات وتعديلات الدول الأعضاء والمنظمات الدولية المهتمة، وتقوم بعدها بإعداد مشروع معاهدة جديد بناءً على الملاحظات المقدمة.
4. بعد تعديل اللجنة المسؤولة مشروع المعاهدة بناءً على الملاحظات المقدمة من الأعضاء، يُحال المشروع من جديد إلى الجهاز العام لتقرير مصيره.
ويكون التصويت على المشروع حسب قواعد المنظمة؛ فقد يكون بالإجماع، أو الأغلبية، أو بالتوافق، إلا أن ما يُجرى عليه في كثير من المنظمات هو المصادقة على المشروع بأغلبية ثلثي عدد أصوات الجهاز العام (الجمعية العامة أو المؤتمر العام) أي عدد الدول الحاضرة والمشتركة في التصويت.
5. بعد تبني المشروع من قبل الجهاز العام في المنظمة الدولية، يجري إضفاء صفة الرسمية على المعاهدة بالتوقيع بكافة أشكاله على المعاهدة من قبل مندوبي الدول في الهيئة التي عدت المعاهدة (كالجمعية العامة للأمم المتحدة مثلًا).
6. تأتي بعدها مرحلة التصديق على المعاهدة من قبل الدول المعنية.
2- تحديد الأساس القانوني الذي تستند عليه المنظمة الدولية:
تستند المنظمة الدولية في إعداد المعاهدات على مواثيقها التأسيسية التي تنص غالبًا على إمكانية المنظمة الدولية بإعداد وإبرام المعاهدات الدولية، وعلى سبيل المثال ورد ذلك في ميثاق الأمم المتحدة في المادة (62/3) التي تطرقت للوظائف والسلطات التي يضطلع بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي وجاء فيها: "وله أن يعد مشروعات اتفاقات لتعرض على الجمعية العامة عن المسائل التي تدخل في دائرة اختصاصه"
كما ذُكر في دستور منظمة العمل الدولية في المادة العاشرة منه على:" تتمتع منظمة العمل الدولية بشخصية قانونية، ولها على وجه الخصوص أهلية...أ-التعاقد...".
ولكن هل هذا يعني جواز استناد المنظمة على كل فعل وضعته في قواعدها؟
لا يجوز للمنظمة الدولية المسؤولة أن تستند على قواعدها لتبرير عدم امتثالها للالتزامات المترتبة عليها بموجب قواعد القانون الدولي العام؛فلا يصح لها الاحتجاج بأن ما قامت به من عمل لا ينافي ما ورد فيقواعدها على الرغم من تعارضه مع أحكام القانون الدولي العام.
الأسلوب الثاني: إعداد مشروع معاهدة جماعية من قبل مؤتمر دولي:
كما ذكرنا مسبقًا أن المنظمة الدولية جهة قادرة على القيام بإعداد مشروع معاهدة لما لديها من وسائل مادية وبشرية،وحين قيامها بإعداد معاهدة عن طريق الدعوة لمؤتمر دولي يكونذلك تدخلًا غير مباشرًا، والمؤتمر الدولي يعتبر وسيلة حديثة لإعداد المعاهدة الدولية والسبب للجوء للمؤتمرات الدولية هو انتشار المعاهدات الجماعية، بعد أن كانت معاهدات ثنائية.
والمقصد بالمؤتمر الدولي هنا هو: تدوين قواعد القانون الدوليالعام، فالمؤتمر عبارة عن تجمع من الدول ذات السيادة وممثلي بعض المنظمات الدولية لغرض البحث والتشاور في القضاياالعامة والخاصة بغرض التوصل إلى حل معين لمشكلة معينة،والحل يُصاغ بشكل مشروع ليصبح معاهدة جماعية إذا ما التزمت بها الأطراف فيما بعد.
وتتم الدعوة إلى عقد المؤتمر من قبل دولة أو مجموعة دول، أو من قبل منظمة دولية عالمية كالأمم المتحدة أو من قبل منظمة دولية متخصصة. وفي الأغلب تكون الدعوة من قبل الأمم المتحدة، وذلك يعود للمهمة الموكول لها بموجب ميثاقها والذي ينص صراحةً على إمكانية الجمعية العامة القيام بمهمة الدراسات والتوصيات لتشجيع التطوير التدريجي للقانون الدولي وتقنينه، ويكون ذلك بناء على موضوع المؤتمر والمعاهدة المُراد إبرامها.فإن كان الموضوع سياسيًا؛ فتدعو الدول في العادة لعقد المؤتمر، في حين لو كان الموضوع يهدف إلى تقنين قواعد القانون الدولي العام فالعادة جرت أن تتم الدعوة من قبل منظمة دولية.
والسؤال هنا ما هو المعيار لدعوة الاطراف المشاركة في المؤتمر سواء كانوا دولًا أو منظمات؟
يعتمد المعيار على موضوع المعاهدة المُراد إبرامها، وبحسب رغبة الطرف الداعي إلى المؤتمر الذي يحدد نوعية الأطراف المشاركة فيه، فلو كانت الدول هي من قامت بالدعوة إلى المؤتمر فالدول هي التي تحدد الدول الأخرى المشاركة، آخذة بعين الاعتبار موضوع المعاهدة. وإن كانت الدعوة للمؤتمر من قبل منظمة دولية، فهناك نوعين من المدعوين: الدول الأعضاء في المنظمة التي قامت بالدعوة، والتي تكون مدعوة بقوة القانون، والدول الأخرى والتي لا يتم دعوتها الا حين توافر شروط التي تطلبها الهيئة في المنظمة.
وللاستزادة في مسؤولية المنظمات الدولية ننصحكم:
Comentarios