- فاطمة الدار
منذ فجر التاريخ مارست العديد من المجتمعات البدائية عمالة الأطفال. ففي قديم الزمان كانت أغلب الحِرف تتطلب مهارات بسيطة يُمكن لأيٍ كائنٍ القيام بها دون الأخذ بعين الاعتبار لسلامة الأطفال البدنية والنفسية، وبالطبع لم يكن التعليم من الأولويات حينها. إلا أن التقدم الذي طرأ على هذه المجتمعات مع مرور الزمن لم يُغير من استخدام الأطفال في ميدان العمل، حيث أن عمل الأطفال أصبح شكل من أشكال العمالة الرخيصة، خصوصًا في مجال الزراعة والحِرف الصغيرة. لكن المشكلة بلغت أوجها خلال الثورة الصناعية بدءً منذ عام 1760م وانتهاءً بعام 1840 م، والتي واجهتها دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، مما أدى إلى زيادة عمل الأطفال في المناجم والمصانع بالإضافة إلى العمل لساعات طويلة وتحت ظروف خطرة. ومع ذلك، فإن عمالة الأطفال ليست من القضايا المُقتصرة على الدول الغربية، فالمناطق العربية أيضًا مارست عمالة الأطفال منذ بادئ ذي بدء. والجدير بالذكر بأن منظمة العمل الدولية قد أشارت في تقريرها لعام 2017 م بين العلاقة بين عمل الأطفال والنزاعات والكوارث. وقد شهدت الدول العربية - وما زالت تشهد - العديد من حالات النزاع والتي بدورها تؤدي إلى إطلاق موجات متزايدة لعمل الأطفال. وبما أن عمل الأطفال من القضايا الخطيرة والحساسة التي تمُس ليس فقط الأطفال ذاتهم، وإنما أيضًا على كل الدول غربية كانت أم عربية، وعلى المجتمعات المحلية، والاقتصاد الوطني. وبالتالي تكاتفت الجهود الدولية للقضاء على عمل الأطفال. وأبرز هذه الجهود هي جهود منظمة العمل الدولية من خلال إنتاج ثلاث اتفاقيات دولية أساسية تحث على القضاء على عمل الأطفال، مع برنامج يحمل ذات الهدف.
اتفاقية الحد الأدنى لسن المقبول للتوظيف والعمل لعام 1973م (الاتفاقية رقم 138)
تُعد هذه الاتفاقية من الاتفاقيات الأساسية لمنظمة العمل الدولية وأول الاتفاقيات التي تخص عمالة الأطفال. في حالة مصادقة الدولة على هذه الاتفاقية فإنها تُعد ملزمةً بانتهاج قانون محلي للإلغاء عمالة الأطفال بشكل فاعل وتدريجي في الدولة من خلال رفع الحد الأدنى لسن للعمل. فضلًا عن ذلك فإن هذه الاتفاقية هي أداة مرنة لتحديد الحد الأدنى للعمر من خلال نوع العمل ذاته، ومستوى التطور داخل الدولة، ويوجد عدة استثناءات مثل الأعمال التي تُنفذ داخل إطار التعليم والتمرين. إلا أن أدنى حد للسن هو ألا يكون أقل من سن إكمال التعليم الإلزامي ولا يجب تحت أي ظرف من الظروف أن يكون أقل من 15 عامًا.
جنحت هذه الاتفاقية لتحديد الحد الأدنى للسن بناءً على نوع العمل والذي يُقسم إلى ثلاثة أنواع أساسية: أولًا، العمل الخطير والذي يُعرف على أنه أي عمل قابل لتعريض صحة الأطفال البدنية أو العقلية أو الأخلاقية للخطر، الحد الأدنى للعمل الخطير هو 18 عامًا. ثانيًا، الأعمال القابلة للتنفيذ من قِبل من بلغ الحد الأدنى الأساسي للعمر كوظائف الحد الأدنى للأجور كأعمال تحضير الطعام أو الخدمة في المطاعم، الحد الأدنى لهذا النوع من الأعمال هو 15 عامًا. ثالثًا، العمل الخفيف وهو العمل الذي لا يُطلب من العامل رفع أكثر من 20 رطلاً في وقت واحد، الحد الأدنى للعمر لهذا العمل هو 15 عامًا ويُستثنى من ذلك أحيانًا حتى 13 عامًا كحد أدنى تحت شروط خاصة لسهولة العمل وانعدام خطرة على الأطفال.
اتفاقية اسوأ أشكال عمل الأطفال لعام 1999 م (اتفاقية رقم 182)
هذه الاتفاقية تنص على أن الدول المُصدقة عليها يجب أن تلتزم بمنع أسوأ أشكال عمالة الأطفال بشكل فوري والقضاء عليها قضاءً تامًا. حيث أشارت هذه الاتفاقية للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال على سبيل الأولوية من دون فقدان الهدف الكلي ألا وهو القضاء على عمالة الأطفال بشكل تام. ويجب تسليط الضوء على أن هذه الاتفاقية تتمتع بأسرع وتيرة تصديق مقارنةً بأي اتفاقية أخرى من منظمة العمل الدولية. بالإضافة إلى ذلك، تُعَرّف هذه الاتفاقية مصطلح أسوأ أشكال عمل الأطفال بعدة طرق: أولها، أعمال الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق كالتجنيد القسري في النزاعات المُسلحة. ثانيًا، الاستغلال التجاري ذا الطبيعة الجنسية للأطفال. ثالثًا، الأطفال المُستخدمين في الأنشطة غير المشروعة مثل تجارة المخدرات من قِبل البالغين. أخيرًا، أي عمل يضر بصحة الأطفال الجسدية والنفسية والأخلاقية.
اتفاقية العمل الجبري لعام 1930 م (اتفاقية رقم 29)
رُغم أن اتفاقية العمل الجبري ليست من الاتفاقيات المنصوص فيها صراحةً بكونها أحد الاتفاقيات المُتعلقة بحماية الأطفال إلا أنها ما زالت تلعب دورًا أساسيًا في حماية الأطفال من العمل القسري وهو أحد أسوأ أشكال استغلال الأطفال. أيضًا هي أحد أكثر الاتفاقيات انتشارًا من اتفاقيات منظمة العمل الدولية وإحدى الاتفاقيات الأساسية.
البرنامج الدولي للقضاء على عمالة الأطفال (IPEC)
يُعد هذا البرنامج من أكبر العمليات المنفردة التي تُدار من قِبل منظمة العمل الدولية للقضاء على عمالة الأطفال بشكل تدريجي وذلك عبر إيجاد أيدي عاملة وطنية من العاملين البالغين سنًا وأيضًا خلق حركة عالمية لمحاربة عمل الأطفال. يستهدف البرنامج جميع أشكال عمل الأطفال لكنه يركز أولويته على أسوأ أشكال عمالة الأطفال. خصوصًا الفئة المعرضة لأكبر قدر ممكن من الخطر كالطفلات الأصغر سنًا في بيئة العمل الخطيرة وغير الآمنة. كما أن منظمة العمل الدولية تحاول من خلال هذا البرنامج القضاء على عمالة الأطفال بجميع أشكالها بحلول عام 2025 م.
ختامًا، إن عمالة الأطفال من القضايا ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية. فعمل الأطفال في المجتمعات ذات المستويات الأعلى من الفقر يُعد عادة اجتماعية ووسيلة لتكيّف مع الفقر وسداد الديون. وعليه فإن الجهود الدولية انصبت في سبيل توعية أفراد المجتمع بخطورة عمالة الأطفال واستبداله بالتعليم ومحاولة إيجاد أيدي عاملة من البالغين كبديل ومد يد العون اقتصاديًا.
Comentarios