- ترجمة: هديل الشمري
قد يعود تاريخ العلاقة بين الاقتصاد والسياسة في الممارسة العملية واستخدام الوسائل الاقتصادية للأهداف السياسية على وجه الخصوص إلى العصور القديمة. فمنذ البداية، كانت الدبلوماسية تتعلق بقضايا الحرب والتجارة، ويُظهر تاريخ العلاقات القنصلية أيضًا كيف أن المصالح التجارية كان لها تأثير كبير في العلاقات الدولية. ويمكن العثور على آثار استخدام العقوبات فعلى سبيل المثال، يذكر كتاب تاريخ الحرب البيلوبونيسية للمؤرّخ ثوقيديديس المقاطعة التجارية التي فرضتها أثينا ضد حليف إسبرطة ميغارا. كما ازداد عدد ممثلي التجار في مدن الموانئ الرئيسية في جنوب أوروبا في أعقاب توسّع التجارة الدولية في أوروبا في العصور الوسطى، عندما كان القانون التجاري ينظم المعاملات التجارية. تعد هذه حالة ممارسة للنظرية السابقة، ومع ذلك أصبح التداخل والعلاقة المتبادلة بين الاقتصاد والسياسة موضوعتحليل جاد (تجريبي) في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين.
كان العلماء مثل جاكوب فينر وألبرت أو.هيرشمان وكوينسي رايت من الأوائل في دراسة العلاقة بين السياسة والاقتصاد حيث قاموا بالكتابة عمّا حدث في بدايات فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. بينما جادل هانز مورجنثاو بإيجاز وقال:
"من الضروري التمييز بين السياسات الاقتصادية التي تؤخذ من أجل مصلحتها والسياسات الاقتصادية التي تعد أدوات للسياسة السياسية، أي أن هدفها الاقتصادي ليس سوى وسيلة للسيطرة على سياسات دولة أخرى. [. . .] للتمييز أهمية عملية كبيرة، وقد أدى الفشل في تحقيقه إلى الكثير من الارتباك في السياسة والرأي العام".
وفي مواجهة التغييرات الجوهرية في النظام الدولي، طور باحثو العلاقات الدولية في الولايات المتحدة (وبدرجة أقل) في أوروبا مفاهيم ونظريات جديدة سعت إلى دمج السياسة والاقتصاد بوضوحٍ أكثر. تميزت السبعينات ببداية التفكير الرائد في العديد من المجالات الفرعية لدراسات العلاقات الدولية. فإذا نظرنا إلى الوراء، يمكن النظر إلى هذه الابتكارات على أنها ابتكاراتٍ سهلت إجراء تحقيقات أكثر دقة في الدبلوماسية الاقتصادية - وهو مجال بحثي جذب اهتمامًا متجددًا منذ التسعينات. بينما أصبح علماء السياسة الذين يعملون في مجالات العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي العالمي والدراسات الدبلوماسية يشاركون بصورة متزايدة في موضوعات الدبلوماسية الاقتصادية (صراحةً وضمنًا — ومعالجة الموضوع باستخدام التسمية أو بدونها)، طوّر الاقتصاديون تدريجيًا دراسات تجريبية أكثر تطورًا حيث عززت الاستفسارات الكمية في الدبلوماسية الاقتصادية. وكما سيتّضح لاحقًا، لم ينتج عن ذلك أي تفاعل حقيقي بين المجتمعين المعرفيين، على الرغم من تضييق انهيار الاختلافات الجوهرية بين المجالات العلمية للسياسة والاقتصاد.
بينما استمر تقسيم الحرب الباردة في تحديد معالم دراسات العلاقات الدولية، فإن عواقب العولمة والتحديات الاقتصادية الجديدة -بما في ذلك الصدمات النفطية، وانهيار نظام بريتون وودز وظهور الاقتصادات غير الغربية (اليابان أولًا وقبل كل شيء) - تستلزم إطارًا أكثر شمولًا للتحليل. توسعت العلاقات الاقتصادية الدولية لتشمل المجال السياسي، وبالتالي جعل تركيز العلاقات الدولية الحالي على الاقتصاد السياسي العالمي الّذي ولّد أبحاثًا حول الاقتصاد الدولي، والتدويل، والعولمة.
علاوة على ذلك، سعى علماء السياسة إلى ربط السياسات المحلية والعلاقات الدولية. ودعت ما تسمى بـ "الألعاب ذات المستويين" أو "الدبلوماسية ذات الحدين" لروبرت بوتنام وآخرين إلى تحليل التأثير المشترك للقوى المحلية والدولية في المفاوضة الدولية، ولقد تطور هذا المفهوم كثيرًا منذ تقديمه في عام ١٩٨٨. كما يوفر المستوى المحلي من نواحٍ عديدة لمحة لأسس قواعد القوة والعملية التأسيسية للدبلوماسية الاقتصادية، وبالتالي في السلوك الناتج عنها. وبالتالي، تساعدنا المفاوضات بين مجموعات الجهات الفاعلة المحلية على فهم عملية صنع السياسة (الخارجية) واستراتيجية الدبلوماسية الاقتصادية للحكومات.
في فترة ما بعد الحرب، طوّر الاقتصاديون أيضًا نماذج تهدف إلى إجراء تحليلات التكلفة والعائد لمختلف أدوات الدبلوماسية الاقتصادية من خلال التحليل الإحصائي لمجموعات البيانات. وركزت الدراسات المبكرة للعلاقة بين التجارة والصراع على آثار تعزيز الرفاهية للتجارة الدولية، مثل تأثير تحفيز التجارة للمسافة الجغرافية، والروابط الاستعمارية، واللغة والعملة المشتركة.
ومن أهم ما طوّر البحوث في هذا المجال هو عمل يان تينبرجن والذي كان أول من قدّم نموذج جاذبية التجارة، فأصبح الجيل التالي من الاقتصاديين يستخدم نموذجه في التحليلات التجريبية للفوائد (المادية) للمشاركة السياسية النشطة في التجارة الدولية. وهذا يشمل التأثير المعزز للرفاهية لأساليب معينة من الدبلوماسية - مثل مؤتمرات القمة - والتمثيل الدبلوماسي عامةً. واستكمالًا لنهج الجاذبية، طُوٍّرَت أيضًا تقنيات أخرى لدراسة كثافة التجارة.
تقديمًا لمفهوم "الدبلوماسية الثلاثية" لسوزان سترينج وآخرون. لُفت الانتباه إلى حقيقة أنه يجب على الدول الآن أيضًا التفاوض مع الشركات الأجنبية، وأن الشركات متعددة الجنسيات نفسها يجب أن تصبح أكثر شبهًا بالسياسيين. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الشركات متعددة الجنسيات أصبحت أقل قوة منذ الثمانينيات، وخاصة في هذه الألفية الجديدة.
في حين أن بعض الصناعات لها دور لا غنى عنه في مواجهة التحديات العالمية، بما في ذلك تغير المناخ، فإن الشركات الأخرى متعددة الجنسيات لديها عدد أقل من القضايا للتفاوض مع الحكومات، ويتنافس المزيد من الجهات الفاعلة على الاهتمام على المستوى المحلي. وساهم ديفيد بالدوين مساهمةً كبيرةً في مجال الاقتصاد السياسي العالمي بدراسته حول الكفاءة السياسية الاقتصادية، التي عرّفها على أنها "محاولات التأثير الحكومي التي تعتمد بشكل أساسي على الموارد التي تبدو بسعر معقول لسعر السوق من حيث القيمة". والجدير بالذكر، أن الفاعل المركزي في تحليله هو الدولة. وفي ربط الاقتصاد والصراع، طور سولومون بولاتشيك مفهوم الأمن الاقتصادي. وقال إن الزيادات في التجارة والاستثمار تقلل من احتمالية نشوب الصراع.
وبينما يساهم هؤلاء بشكل كبير في النقاش حول ما يشمل الكفاءة السياسية الاقتصادية والأمن الاقتصادي، فإن الأسئلة المتعلقة "بِـ متى تنجح السياسات لتحقيق هذه الغايات وكيف تُنقل هذه المفاهيم المفاوضات العملية" تُترك دون إجابة في أعمال سترينج وبالدوين وبولاتشيك. وقد حاول علماء السياسة والاقتصاديون على حد سواء التغلب على أوجه القصور هذه. على سبيل المثال، طوّر جان مارك بلانشارد ونورين ريبسمان نموذجًا سياسيًا لوضع نظرية حول الكفاءة السياسية الاقتصادية الذي يلفت الانتباه إلى أهمية الترتيبات السياسية المحلية للهدف فضلًا عن الدولة المرسلة والمتغيرات السياسية الدولية التي يمكن أن تغير التكاليف السياسية لمواجهة الدولة المستهدفة. أنتج بيتر فان بيرجيك مراجعة تفصيلية للنماذج المختلفة التي تختبر تجريبيًا الفوائد (المادية) للمشاركة السياسية النشطة في التجارة الدولية. في حين أن دراسة وتحليل العلاقة المتبادلة بين السياسة الدولية والاقتصاد تكتسب قبولًا من كلا الجانبين، فإن علماء السياسة والاقتصاديين يدرسون الموضوع بشكل مختلف تمامًا، وقد يفسر هذا النقص الافتراضي في التفاعل والتعلم المتبادل بين الاثنين.
المصدر:
Comentarios