top of page

المعاهدات التي عُقدت في عهد عبدالعزيز آل سعود قبل تكوين المملكة العربية السعودية

- فاطمة الدار


هناك مجموعة معقدة من الأسباب التي أدت إلى نشوء المملكة العربية السعودية بشكلها الحالي. العديد من تلك الأسباب مُرتبطة - بشكل أو بآخر - بالعلاقات الدولية بين الملك عبدالعزيز آل سعود وبريطانيا العظمى؛ حيث أن أساس تكوين المملكة التاريخي يكتسب أهمية خاصة فيما يتعلق بالمعاهدات الدولية ذات الطابع الإقليمي. ورجوعًا إلى ما قبل تأسيس الدولة السعودية الثالثة بثمانية عشرة عامًا، بالتحديد عام 1914م، ففي هذا العام أعلنت القوات العثمانية آنذاك الحرب على الحلفاء من ضمنهم بريطانيا العظمى، كما أعلنت الدولة العثمانية فسخ أواصر الصداقة والأخوة الإسلامية بينهم وبين عرب الجزيرة العربية، وبلا شك كان من ضمنهم عبدالعزيز آل سعود. وكان ذلك من أحد الأسباب التي دفعت بريطانيا العظمى إلى اللجوء لتكوين حلفاء آخرين في شبه الجزيرة العربية. وذلك لحماية الخطوط الجنوبية للقوات البريطانية لتجنب خسارة مناطق الهيمنة البريطانية في المنطقة العربية؛ وشلّ حركة ابن رشيد الذي كان حليفًا للقوات العثمانية وتهديدًا لبريطانيا بعد هجماته على البصرة.

اتفاقية دارين

كان عبدالعزيز آل سعود مُطلعًا على أحوال السياسة الدولية في شمال الخليج العربي منذ أن كان مقيمًا في الكويت. ولم يكن الملك عبدالعزيز غافلًا عن مكانة بريطانيا كونها صاحبة السيادة واليد العليا في السيطرة على شمال الخليج العربي مقارنةً بضعف الدولة العثمانية، وإيران، والنفوذ الروسي الذي كان يتنافس مع ألمانيا آنذاك. مما أدى إلى جنوح رغبته للظفر بالتحالف البريطاني؛ إلا أن هذه الرغبة لم تتجلَ على أرض الواقع لو لم تُعلن الدولة العثمانية الحرب. حيث أعادت بريطانيا التواصل مع حلفائها الثلاثة في شبه الجزيرة العربية وهم: الشيخ خزعل، الشيخ مبارك، والملك عبدالعزيز. وليتم إعادة التحالف والصداقة بين الطرفين أرسل وليم شكسبير -كابتن المخابرات البريطاني والضابط السياسي- لتوطيد العلاقات نظرًا لعلاقته السابقة مع الملك عبدالعزيز حين كان سياسيًا في الكويت. طالب عبدالعزيز آل سعود من شكسبير أن يتم حمايته من قِبل بريطانيا ضد القوات العثمانية خلال فترة الحرب، وتضمنت مطالبه التالي:

  1. الحماية ضد أي انتقام من قِبل الدولة العثمانية.

  2. الحماية ضد الهجوم البحري من الدولة العثمانية.

  3. الاعتراف بملكية عبدالعزيز آل سعود لنجد، والأحساء، والقطيف، والجبيل.

وعليه فقد صاغ شكسبير مسودة ابتدائية لما سُميت آنذاك باتفاقية الحماية بعد إصرار الملك عبدالعزيز وإبدائه لعددٍ من المخاوف التي لم تهدأ إلا بعقد هذه الاتفاقية. وبعد ذلك قام شكسبير بإرسال هذه المسودة إلى وزارة الخارجية البريطانية؛ ولحق إرسال المسودة رد من الحكومة الهندية بأن عقد الاتفاقية أمر ضروري وعاجل. مما أدى إلى تدخل بيرسي كوكس -المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي ونيشان الإمبراطورية الهندية- وإعلان موافقته على الاتفاقية من خلال بعثه برقية إلى سكرتير حكومة الهند. وفي 26 ديسمبر لعام 1915م طُلب من كوكس التوجه إلى دارين وهي جزيرة في الخليج العربي مواجهة للقطيف؛ لتوقيع الاتفاقية مع الملك عبدالعزيز. أدى توقيع هذه الاتفاقية إلى الاعتراف الرسمي بأن نجد، والأحساء، والقطيف، والجبيل ملكٌ لِعبدالعزيز كما كانت من قبل لأباءه وكما ستكون لأحفاده. بالإضافة إلى التزام بريطانيا بالحماية للملك عبدالعزيز وعدم دخولها في أي علاقة مع أي قوة خارجية؛ كما أُلزم عبدالعزيز آل سعود بعدم التنازل أو التخلي عن أي أرض دون الموافقة البريطانية. وعلاوة على ذلك، اتباع نصح بريطانيا وعدم الأضرار بمصالحها وعدم الاعتداء على إمارات بريطانيا في الخليج العربي.

معاهدة العقير

بعد انتهاء الحرب العثمانية، نشأت مشكلة تعيين الحدود الإقليمية بين سلطنة نجد والكويت والعراق. حيث تزايد التوتر بين الملك عبدالعزيز والشيخ سالم بن مبارك الصباح بعد أن منح الملجأ لقبائل بني عجمان ووطّن المناطق للقبائل المعادية للملك عبدالعزيز. وردًا عليه قام الملك عبدالعزيز بتوطين قبائل إخوان الهجر في ذات المنطقة؛ مما أدى إلى حدوث مصادمات وحروب بين القبائل القابعة في تلك المنطقة. وفي الوقت ذاته، ثارت مشكلة تعيين الحدود بين الكويت والعراق؛ حيث وصل التوتر أوجه حين مُنعت بعض قبائل شمالي الجزيرة العربية من رحلاتهم المعتادة إلى أسواق بلاد ما بين النهرين، وترتب على ذلك تصاعد الغارات والهجمات المتبادلة بين قبائل منطقة الفرات وإخوة الملك عبدالعزيز. ولحل تلك المشاكل عُقد مؤتمر العقير بحضور سلطان نجد عبدالعزيز آل سعود مُمثلًا عن نجد، وصبيح بن نشأت مُمثلًا عن العراق، وجون مور الوكيل السياسي في الكويت مُمثلًا عن الكويت، وكوكس كوسيط بين الأطراف المُتنازعة. كانت القضية الأساسية في مؤتمر العقير هي الحدود بين العراق ونجد، حيث كان عبدالعزيز آل سعود مُتمسكًا بموقفه لتحديد حدود قبلية؛ لكن وبعد تحريض من كوكس تخلى عن مطلبه. وبسبب كثرة المناوشات بين الأطراف، قرر كوكس أن ينهي النزاع برسمه الخط المشهور الذي حدد الحدود العراقية بدقة عالية دون أن يستنقص من حدود نجد. وللمساواة بين رغبات عبدالعزيز آل سعود و مُمثل العراق في مسألة المساحة الإقليمية المُطالب بها من قبل الدولتين، فقد أُستنزع ثلثين من أرض الكويت على نحو ظالم؛ ولأن سلطة شيوخ الكويت كانت محدودة للغاية آنذاك، ولم يكن مسموحًا لشيخ الكويت بأن يمثلها في المعاهدات الدولية، بل كان يتوجب عليه الاعتماد على المندوب البريطاني في الشؤون الخارجية، بالتالي فإن الاعتراض من طرف الكويت لم يكن خيارًا مُمكنًا. وعليه تم توقيع معاهدة العقير بين سلطنة نجد والعراق والكويت في 2 ديسمبر لعام 1922م.

معاهدة جدة

بدأت مفاوضات معاهدة جدة قبل توقيعها بعام، وذلك في نوفمبر لعام 1926م بالمدينة المنورة لمناقشة التوسع السعودي في جنوب شرقي الجزيرة العربية. إلا أن الاختلاف الشاسع في وجهات النظر بين بريطانيا والملك عبدالعزيز المُسمى آنذاك بملك الحجاز حالت دون توقيع المعاهدة. حيث أرادت بريطانيا من الملك عبدالعزيز الاعتراف بالانتداب البريطاني على فلسطين، وشرق الأردن، والعراق؛ وبالتأكيد فأن طلبهم قُوبل بالرفض حيث أن الاعتراف بذلك يعني الوقوف بصف الانتداب البريطاني في تلك المناطق، كما أنه يعني التخلي عن قضية الاستقلال العربي. بالإضافة إلى أن الحكومة البريطانية أرادت الملك عبدالعزيز اتخاذ عدة قرارات من شأنها التأثير عليه كحاكم مُستقل. وعليه تم تعليق المفاوضات بين الطرفين بسبب عدم إمكانية التوصل لحل وسط. وبعد ذلك، قررت الحكومة البريطانية تبني مشروع جديد للمعاهدة مُتضمنةً تنازلات كبيرة من طرفهم في فبراير لعام 1927م. تضمنت المعاهدة الجديدة الاعتراف بالملك عبدالعزيز كحاكم مُستقل لمناطق نجد والحجاز، وإمكانية محاكمة الرعايا البريطانيين في المحاكم المحلية في حالة تورطهم في نزاع، وعدم الاعتراف بالانتداب البريطاني على فلسطين، وشرق الأردن، والعراق شريطة أن يوقف الملك عبدالعزيز الاعتداء على مناطق النفوذ البريطاني، وفيما عدا ذلك فإن بريطانيا رفضت رفضًا قطعيًا التخلي عن شرط إنهاء العبودية. وفي مايو لعام 1927م، تم فتح باب المفاوضات بين جيلبرت فلكنجهام كلايتون -الضابط الاستخباري للجيش البريطاني والمسؤول الاستعماري- والملك عبدالعزيز، وكان من أصعب الشروط المُتفاوض عليها هي إلغاء العبودية؛ إلا أن المُفاوض البريطاني استطاع تسوية هذه المسألة عن طريق التأكيد بإمكانية إلغاء العبودية على مراحل متفاوتة بدءً من الحجاز الذين بادروا في تحرير العبيد. واستمر المفاوض البريطاني بإبداء أكبر قدر ممكن من المرونة خلال المفاوضات ما دامت شروط الملك عبدالعزيز لا تضر بمصالح بريطانيا أو الدول الأخرى أو تنتهك الاتفاقيات الدولية. نتيجةً لذلك تم توقيع اتفاقية جدة في 20 مايو لعام 1927م.

وعُدّت معاهدة جدة من أهم المعاهدات التي تم توقيعها قبل تكوين المملكة بسبب الاعتراف البريطاني باستقلال الملك عبدالعزيز آل سعود؛ مما أدى إلى تحرره من القيود والالتزامات المنصوص عليها في معاهدة دارين. عزّزَ الاعتراف البريطاني قوة الملك عبدالعزيز في تصفية خصومه من آل رشيد والأشراف، مما أدى إلى خلق دولة موحدة بارزة في قلب الوطن العربي غيرت دور المنطقة من النواحي السياسية، والدينية، والاقتصادية؛ وما زال تأثيرها مُستمرًا حتى الآن.


المراجع

❖ جون ولينكسون، حدود الجزيرة العربية: قصة الدور البريطاني في رسم الحدود عبر الصحراء. مكتبة مدبولي: القاهرة، (1994).

❖ شاكر محمود، المفاوضات البريطانية السعودية لعقد معاهدة جدة عام 1927. مجلة آداب ذي الوقار: جامعة ذي الوقار، كلية الآداب، (2016).

❖ محمد العيدروس، اتفاقية دارين لعام 1915 بين الملك عبدالعزيز وبريطانيا: دراسة وثائقية. مجلة جامعة دمشق: المجلد 21، العدد (2+1)، (2005).

أحدث منشورات

عرض الكل

مفهوم الحرب الباردة

- سارة العبدالحي الحرب الباردة، وصف غامض كثير التداول للمنافسة التي تحدث بين أي طرفان بينهما عدائية ليست بصريحة، فما هو أصلُ هذه الكلمة؟...

Comments


bottom of page