- آرام الدبيخي
"إنّ القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، ولن تتوانى المملكة عن دعم الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم المشروعة"
- عادل الجبير
وضعت المملكة العربية السعودية قضية فلسطين رهن عينيها، وتوجُّهها السياسي، فبذلت كل جهودها للمحافظة على كيان دولة فلسطين، وفي هذا مواقف عديدة مشرّفة لاتعدّ ولا تحصى، ولاتفيها ثنايا الورق بدءاً من عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- إلى لحظتنا هذه، ومن مؤتمر المائدة المستديرة حتى بيان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في الجلسة الطارئة لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن فلسطين، فتوسّطت المملكة لحلِّها، ودعمت الشعب الفلسطيني سواء أكانوا في الأرض المحتلّة، أو حتى داخل المملكة العربية السعودية، وشجّعت حصول كل فلسطيني على حقوقه التامة أهمها وجود وطن يأويه، وأرض يستقرّ عليها.
من أبرز المشاهد الحاضرة مساعي الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- وقتما كان أميراً لتحقيق سلام الشرق الأوسط وعلى قمّته النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وتلبيةً لنداءات المملكة العربية السعودية فيصيانة حقوق الشعب الفلسطيني، فعَقد الاجتماعات، وجال بالرحلات لإرساء علاقاتٍ سلميّة بين إسرائيل وفلسطين تارة وبين إسرائيل ودول الوطن العربي تارة أخرى، وذكر د. غازي القصيبي -رحمه الله- عظم جهود الأمير فهد، وعزيمته الدائمة للوصول إلى السلام في فلسطين، وأوشك نجاح هذه الجهود خلال عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إلا أنها في نهاية المطاف باءت بالفشل لأسباب خارجة عن إرادة مملكتنا، وإزاحته الستار عن مبادرة السلام السعودية -مشروع السلام- لعام1981م والذي كان رداً من الأمير فهد على دعوة وزير الخارجية الأمريكي ألكسندر هيغ لإنشاء شرق أوسط جديد، فاحتوت المبادرة ثمانية مبادئ تضمن للشعب الفلسطيني حقه وحريته وأرضه ولكنها لم تلقَ الاستجابة الكافية لتحقيقها.
وخلال عشرين عام قام الأمير بندر بن سلطان في استخدام دهائه لإيجاد متطلبات السلام ولم يتوقف عند مرحلة إيجاد الحل فقط بل قارب لتنفيذه، وفي حوارٍ له مع ياسر عرفات عام 1948م يذكر سُموِّه: "كلما كان لدينا شيء على الطاولة قلنا لا، لنعد ونقول نعم، وعندما نقول نعم، لايعود الأمر مطروحاً على الطاولة، ويتعيّن علينا التعامل مع شيء أقل، ألم يحن الوقت لنقول نعم؟" ومع هذا لم تتوانَ المملكة العربية السعودية عن مساعيها رغم خذلانها مرات عدة، ومن ضمن أدوار الأمير بندر للسلام عقد مؤتمر مدريد لعام1991م، وحضرت كل أطراف النزاع للمفاوضات والمسماة بـ"الأرض مقابل السلام"، وتركيز محاور المؤتمر على قراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338 وفحواهما انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة في يونيو 1967م، والاعتراف بسيادة كل دولة، ومنحها كرامة العيش بسلام، والدعوة إلى تنفيذ ماسبق، ونتج عن المؤتمر إعلان أوسلوفي ديسمبر منال عام نفسه، وتقررّ فيه مبادئ عدّة منها انسحاب القوات الإسرائيلية من عدة مناطق للانتخابات الفلسطينية، وتعديل ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، والإعراب عن نية إسرائيل في تطبيع الحياة على الأراضي المحتلة استناداً على القرارين السابقين، وسرعان ما ذهب الإعلان أدراج السماء.
بالإضافة لاعتذار المملكة عن ترشيحها لمقعد عضويةٍ غير دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في بيانٍ نصّ على: "إنّ بقاء القضية الفلسطينية بدون حل عادل ودائم لخمسة وستين عاماً والتي نجم عنها عدة حروب هددت الأمن والسلم العالميين لدليل ساطع وبرهان على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمّل مسؤولياته "حتى تُفعّل أهداف مجلس الأمن على أرض الواقع والحقيقة، ونجد القمة العربية التي استضافتها المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- والتي سُمِّيت بقمة القدس لعام 2018م، وافتتح القمة بـ "ليعلم القاصي والداني أنّ فلسطين وشعبها في وجدانِ العرب والمسلمين"؛ مما يعرب عن مواصلتها دعم هذه القضية بشتّى السبل، وفي كل أوان.
آخر جهود المملكة تظهر في الفترة الماضية حينما ألقى وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان كلمة معبّرة عن شدة حرص المملكة العربية السعودية تجاه القضية الفلسطينية، وبيان رفضها للانتهاكات على السلام والأمن الدوليين الحاصلة في فلسطين وألّا سلام بينها وإسرائيل إلا بالمقابل الثمين وهو أرض فلسطين للفلسطينيين وأمنهم وعودة حدود 1976م وما قبلها وعاصمة فلسطين هي القدس الشرقية.
وتظهر جدّية المملكة العربية السعودية في تحقيق السلام الفلسطيني علاوة على ماسبق من خلال المعاهدات الدولية الجماعية التي تنظِّمها الأمم المتحدة، فمن حق كل دولة طرف في المعاهدة أن تتحفظ في المعاهدات التي تجيز التحفظات عليها؛ لذا كانت المملكة تتحفظ عما لا يتناسب مع مبادئ الشريعة الإسلامية بجانب تحفظها عن كل ما يُشكِّل علاقة لها مع إسرائيل، وعدم اعترافها بها ككيانٍ محتل، وما هذا إلا إصراراً في موقفها تجاه القضية الفلسطينية.
يقول رئيس الولايات المتحدة السابق جيمي كارتر في مذكراته: "من بين جميع الزعماء الذين قابلتهم، هم الوحيدون الذين يرغبون في رؤية تشكيل دولة فلسطينية مستقلة" قاصداً بذلك ملوك المملكة العربية السعودية وأمرائها، فالتاريخ يُبيّن عزم وحزم مملكتنا الحبيبة في إبقاء دولة فلسطين دولةً حٌرّة آمنةً مطمئنة، ولا يمكن لجنس بشريّ نكرانه، وما أبى عن هذا التاريخ المجيد إلا جحود محب لزعزعة العلاقات العربية الأُخوية.
Comments