-نجود آل بقيّه
قبل 30 عامًا قام العراق يوم الخميس الموافق الثاني من أغسطس عام 1990 تحت قيادة الرئيس صدام حسين بغزو الكويت في سابقة مؤلمة بين الدول العربية. وسبق الغزو تصعيد لفظي وإعلامي من العراق تجاه الكويت تحت ذرائع عده منها الخلافات على الحدود والاتهام الذي وجهه صدام حسين لبعض دول الخليج - خاصةً الكويت - بالتخطيط لمؤامرة نفطية تهدف إلى القضاء على اقتصاد العراق. وبغض النظر عن دوافع العراق فإن ما قام به كان عدونًا مُدانًا لا يُقارن بأي ضرر ادّعاه، وإخلالًا جسيمًا لقواعد القانون الدولي العام، ومبادئ السلام والأمن الدولي. كما انه مقامرة سياسية وعسكرية تنم عن فشل كبير لدى القيادة العراقية في قراءة الواقع السياسي والعسكري الإقليمي والعالمي.
وفي فجر ذلك اليوم تجاوزت قوات الجيش العراقي الحدود بين البلدين واستمرت في التقدم إلى مدينة الكويت العاصمة للسيطرة على الدولة بشكل كامل، لكن أمير البلاد الشيخ جابر آل صباح وولي عهده الأمير سعد العبدالله رحمهما الله نجحا في الوصول إلى منفذ الخفجي الحدودي مع المملكة العربية السعودية حيث وجه الملك فهد رحمه الله بنقلهم إلى مدينة الطائف لتكون مقرًا للأسرة الكويتية الحاكمة والحكومة الكويتية. وبخروج رأس السلطة في الكويت وولي عهده وحكومته فقد صدام حسين فرصته لإنهاء وجود رمز السلطة لإحداث فراغ سياسي في النظام السياسي بالكويت، كما فقد ورقة ضغط ثمينة كان يطمع أن يستثمرها لإضفاء الشرعية على الغزو أو للمساومة مع المجتمع الدولي. كما أن الحكومة الشرعية لدولة الكويت استمرت قائمة، وبالتالي بدأت تتواصل مع المجتمع الدولي لشرح الموقف وطلب الدعم لرد العدوان وتأمين سبل العيش لأبناء الشعب الكويتي الذين هربوا من البلاد إثر الغزو.
وبعد مرور أيام قليلة على الغزو، بدأ النظام العراقي محاولاته لإضفاء "الشرعية" على الغزو حيث أدّعى أنّ الغزو جاء بناء على طلب مساعدة من ثوار الشعب الكويتي لرفضهم حكم عائلة آل صباح ثم عين العراق حكومة صورية ثم أكمل محاولة ابتلاع الكويت بضم "الجزء إلى الكل، وعودة الفرع إلى الأصل" واعتبار الكويت المحافظة العراقية التاسعة عشر.
إنّ ما قام به العراق من وجهة نظر القانون الدولي العام هو اعتداء وانتهاك صريح لحق مصان لكافة دول العالم وهو حق الوجود للدولة، وهو حق ملازم لصفتها كدولة. وقد كانت خطة صدام حسين تهدف إلى محو دولة الكويت من الوجود ومحو أي أثر باق لها، ولذلك أتخذ عدة خطوات منها أنه فرض على الكويتيين استبدال هوياتهم الوطنية الكويتية بهويات وطنية عراقية، وكذلك فرض عليهم تغيير لوحات السيارات الكويتية إلى أخرى عراقية وطبق الأمر ذاته على المقيمين وإلا سيتم منعهم من عبور الحدود للخروج من الكويت، وأكمل إجراءاته باستبدال الدينار الكويتي بالدينار العراقي الذي كانت قيمته متدنية جدًا مما زاد الوضع الاقتصادي في الكويت سوءًا.
وإزاء شناعة ما قام به العراق كان على المجتمع الدولي القيام بدوره وفعل ما يتوجب عليه لوضع حد للأزمة. وقامت بعض الدول العربية بتحركات على مستوى العالم العربي لاتخاذ موقف تجاه الغزو في حين حاول بعضها التوسط لدى العراق لإنهاء الغزو. وعلى الصعيد الدولي حذرت الولايات المتحدة العراق من فعلته وعواقبها، وأعطته مهلة لسحب قواته والخروج من الكويت. وفي العاشر من أغسطس عُقدت قمّة عربية لمناقشة الأمر وإيجاد حل سريع، وقام خلالها الرئيس حسني مبارك بتوجيه نداء أخير إلى صدام. وانتهت القمّة بالتصويت على قرار تكوين جيش لتحرير الكويت وتمت الموافقة بالأغلبية مع وجود المعارضة من بعض الدول.
لكن صدام حسين لم يستجب للوساطات أو لنداءات دول العالم طيلة أشهر الغزو، ولم يرضخ للعقوبات التي فرضت على العراق من قبل الأمم المتحدة ولم يبق لدى الدول المتحالفة خيار آخر عدا العمل العسكري لتحرير الكويت، وبالفعل انطلقت حرب تحرير الكويت والتي تسمى بعاصفة الصحراء أو حرب الخليج الثانية في 17-1-1991 وكانت على مرحلتين تقريبًا، المرحلة الأولى هي الحرب الجوية التي ركزت على تدمير قدرات الجيش العراقي في الكويت وقطع خطوط الإمداد، أما المرحلة الثانية فكانت الحرب البرية حيث انطلقت القوات المتحالفة من الأراضي السعودية باتجاه الكويت وتوغلت بسرعة كبيرة داخل الأراضي الكويتية وطاردت القوات العراقية المندحرة إلى داخل الحدود العراقية وانتهت الحرب بتوقيع العراق على اتفاقية صفوان.
ونتج عن مغامرة الغزو خسائر وأضرارًا كثيرة، أبرزها قيام الجيش العراقي بتفجير آبار النفط الكويتية قُبيل انسحابه مما أدى إلى أضرار اقتصادية وبيئية جسيمة طال تأثيرها كافة منطقة الخليج. إضافة إلى الخسائر البشرية الفادحة في الكويت والعراق والخسائر والاقتصادية التي عانى منها البلدين وتضرر كثير من العلاقات العربية - العربية وكذلك العلاقات الاجتماعية التي كانت تربط بين شعبي الكويت والعراق. كما عانى العراق من العقوبات العسكرية والاقتصادية والسياسية التي فرضت عليه.
Comments