top of page

الطابع الفردي للمسؤولية الجنائية الدولية



لطالما كان وضع حد للحروب ومعاقبة مجرميها هاجس الشعوب والمجتمع الدولي خصوصا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي خلفت العديد من الضحايا وتسببت بانتهاكات جيسيمة ضد الانسانة. ومع استمرار هذه الأحداث الدامية حتى بعد الحرب العالمية الثانية شعر المجتمع الدولي بالقلق حيال ما يهدد أمنه واستقراره فأدرك ضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية مستقلة عن أجهزة الأمم المتحدة ومختصة بالنظر في قضايا الحرب والعدوان وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية.


عندما نخص بالذكر هذه الجرائم، كيف لنا أن ننسى مجزرة "سربرنيتسا" التي راح ضحيتها أكثر من 8 آلاف مسلم في عملية تطهيرعرقي ممنهج. وما حدث بيوغسلافيا لا يقل بشاعة عمّا حدث بالبوسنة فقد صدر في حقها قرار مجلس الأمن رقم 808 في 22-2-1993 م بإنشاء محكمة جنائية دولية (مؤقتة في ذلك الوقت) لمحاسبة من قام بجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في حقها. وهناك الكثير من البلدان تعرضت لجرائم كتلك أسفرت عنها العديد من الضحايا والتهجير والتغيير للتركيبة السكانية لتلك البلدان.

ويبقى السؤال هنا عن طابع المسؤولية الجنائية الدولية الواقعة على مرتكبي هذه الجرائم وطبيعة العقوبات الموجهة لهم؟


بداية اختلفت آراء الفقهاء، فمنهم من حمل الدولة المسؤولية الجنائية الدولية عن هذه الجرائم مبررين موقفهم بأن الشخص الذي قام بالجريمة قام بها باسم ولحساب دولته وقد ظهر هذا الرأي قبل إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (تشريع روما 1998). وفي الجهة الأخرى منهم من رأى أن توقيع قواعد المسؤولية الجنائية الدولية على الدولة فيه انتهاك لمبدأ السيادة وأن من قام بهذه الجرائم لا يمثل الدولة إلا في تحقيق الصالح العام.


عندما ننظر للدولة فإنها كيان متألف من شعب وسلطة وإقليم يستحيل إيقاع المسؤولية الجنائية عليها لعدم توافر الركن المعنوي وهو القصد الجنائي وبناء على ذلك لا توجه لها عقوبات جنائية كالأفراد باعتبارها كيان معنوي جامد. وهذا ما أيده النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة رقم (25) التي نصت على فردية المسؤولية الجنائية الدولية بحيث تقع على الأشخاص الطبيعيين الذين ارتكبوا الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة أو اشتركوا فيها أو قاموا بالتحريض عليها أو ساعدوا بأي شكل يسهل ارتكاب الجريمة. لكن هذا لا يمنع ترتيب مسؤولية قانونية على الدولة أو ترتيب أثار ذات طابع مدني كدفع تعويضات أو إعادة الحال على ما كان عليه أو إصلاح الضرر الذي ألحقته بالدولة المتضررة إن أمكن.


ختامًا، إضفاء صفة الشخصية على الجريمة الجنائية وفردية المسؤولية الجنائية أمران سهّلا عملية إلقاء القبض على مرتكبي هذه الجرائم لتحقيق الغاية الأسمى وهي ترسيخ أمن وسلام المجتمع الدولي وإرضاء شعور العدالة لدى الشعوب المتضررة من هذه الجرائم.

أحدث منشورات

عرض الكل

مفهوم الحرب الباردة

- سارة العبدالحي الحرب الباردة، وصف غامض كثير التداول للمنافسة التي تحدث بين أي طرفان بينهما عدائية ليست بصريحة، فما هو أصلُ هذه الكلمة؟...

コメント


bottom of page