- أسماء العتيبي
في عصر (الشّوَوا) الذي تزامن مع حكم الإمبراطور (هيروهيتو) كانت تعرف إمبراطورية اليابان بِـ (نازيّة آسيا)؛ وذلك بسبب تعمّق جذور النزعة الاستعمارية والتوسعية لها والذي أيدها تفوق عسكري خلّف عدة حروب ومجازر وصفها شهود عيان بأنها أسوء من نازيّة هتلر، حتى أن ما استطاعت اليابان احتلاله من مساحة خلال تلك الفترة فاق ضعفي ما احتلته ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية!
مع استمرار التعديات اليابانية أصدرت قوات الحلفاء في مؤتمر بوتسدام ما يعرف بِـ (إعلان بوتسدام)، والذي نصّ على إعطاء اليابان فرصة أخيرة لإنهاء الحرب، تستسلم فيه بشكل كامل وغير مشروط، إلا أن رئيس الوزراء الياباني (سوزوكي) رفض ذلك قطعاً، بل وتجاهل قارب النّجاة الوحيد مرتكباً بذلك ما قد يكون أسوء قرار في التاريخ تبعه عواقب وخيمة لا زال اليابانيون يعانون منها اليوم وهو إسقاط قنبلتي (هيروشيما) و(ناغازاكي).
بدّد ذلك التفجير جبروت الإمبراطورية اليابانية وخلال عدة أيام وقعت على وثيقة الاستسلام وتعهدت بالوفاء بكافة بنود "إعلان بوتسدام"، وبرفعها العلم الأبيض وُضعت نقطة النهاية للحرب العالمية الثانية.
لم يكفِ رؤساء الدول الكبرى الرضوخ، وأعلنوا بأن قادة اليابان سيعاقبون!
وقَعت مهمة معاقبة القادة اليابانيين على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية، والتي حذت بدورها حذو محاكمة (نورنبيرغ) العسكرية التي حاكمت القادة الألمانيين نظير ما ارتكبوه من جرائم حرب.
وبذلك أصدر القائد الأعلى لقوات الحلفاء الجنرال (ماك آرثر) في ١٩٤٦م قراراً بإنشاء المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى (IMTFE) أو ما تعرف بمحكمة طوكيو، والتي سُلّم القرار فيها للدول التسعة التي وقعت على إعلان استسلام اليابان، بالإضافة للهند والفلبين.
تشكّلت المحكمة من أحد عشر قاضياً يمثّل عشرة منهم دول حاربت اليابان ودولة الهند في موضع الحياد، فكان منهم الاسترالي والهندي، الصيني والبريطاني، الأمريكي والفرنسي، الهولندي والكندي، وممثل للاتحاد السوفييتي.
تم تقسيم الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة والتي يمكن المعاقبة عليها تحت مظلة القانون الدولي إلى ثلاثة أقسام، وبالتالي وجهت ثلاثة أنواع من التّهم للقادة الماثلين أمام المحكمة، وهي:
-جرائم ضد السلام أو جرائم العدوان؛ والتي تشمل التخطيط والإعداد وشنّ الحروب العدوانية.
-جرائم الحرب التقليدية؛ وتشمل الإخلال بقواعد الحرب كإساءة معاملة المعتقلين وغيرها من الجرائم المرتكبة على أرض المعركة.
-جرائم ضد الإنسانية؛ وهي ما يُرتكب من أفعال غير إنسانية تجاه المدنيين كالقتل، والإبادة، والاستعباد، والترحيل.
كان بالإمكان توجيه أي من تلك التهم الثلاثة للقادة اليابانيين مع ضرورة توجيه تهمة ارتكاب جرائم ضد السلام كي يحاكم المتهم في محاكمة طوكيو وإلا فيحاكم أمام محكمة أقل درجة، كما كان الحال مع عدد من المسؤولين اليابانيين غير المتهمين في محاكمة طوكيو.
جرائم اليابان لم تكن بالحديثة، ذلك أنها كانت تشنّ الحروب منذ القرن التاسع عشر وهو ما أثار صعوبة لدى القضاة في تحديد الخط الزمني للأفعال التي سيحاكم المتهمون عليها، ولذلك قرروا بأنهم سيحاكَمون على الأفعال المرتكبة بعد عام ١٩٣١م.
استغرقت محاكمة طوكيو سنتين ونصف أُتهم فيها ٢٨ رجلاً، لم يكن أي منهم من البيت الإمبراطوري وفي مقدمتهم الإمبراطور (هيروهيتو)، وهو ما أيدته الولايات المتحدة وشهادة رئيس الوزراء الياباني (توجو) التي تنكر مسؤولية الإمبراطور عن تفجير ميناء بيرل هاربر.
استقرت أغلبية آراء القضاة المكلّفين على الاعتراف بجرائم العدوان وبعد مداولة سريّة استغرق رئيس القضاة (ويب) ٧ أيام لقراءة الحكم النهائي في المحكمة وخلِص إلى تبرئة بعض المتهمين وإدانة الآخرين، واختلفت عقوبات المدانين ما بين الإعدام والسجن المؤبد.
قد تكون العدالة تحققت ظاهرياً في محكمة طوكيو، فالمجرم قبِع خلف القضبان أو سُلب ما تبقى من حياته، ولكن في واقع الأمر كانت هذه المحاكمة وسيلة لتهدئة الشعوب التي أفزعتها أهوال الحرب العالمية الثانية، وأمّا المدانون؟ تم الإفراج عنهم حتى أنه لم يقضِ أي منهم عقوبته كاملة، وذلك باتفاق بين الإمبراطور (هيروهيتو) والجنرال (ماك آرثر) بمناسبة إعلان الدستور الياباني الجديد.
Comments