top of page

الحصانة الشخصية في ظل اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية

- رسيل المهيدب


تطرقنا في المقال السابق إلى مفهوم الحصانة الدبلوماسية ونطاقها، وتتعدد أشكال الحصانات الدبلوماسية لتشمل الحصانة الشخصية، والحصانة القضائية، وحصانة دار البعثة، وسيتم التركيز هنا على الحصانة الشخصية.

تُعد الحصانة الشخصية جوهر الحصانة الدبلوماسية، ويقصد بها "الحق في الأمان المطلق والكامل" ولها جانبين، أحدهما يتعلق بحرمة الاعتداء على الدبلوماسي أو ممتلكاته، والآخر يتعلق بحماية الدبلوماسي من الاعتداءات عبر سنّ القوانين الرادعة التي تحقق ذلك، وقد عمدت بعض الدول إلى سنّ قوانين محلية لتحقيق تلك الحصانة. أمّا الدول الأخرى (مثل المملكة العربية السعودية) فرأت عدم ضرورة ذلك حيث أن الحوادث من هذا النوع نادرة الحدوث، لذا ترك تقدير العقوبة لسلطة القضاء باعتبارها تعزيرية. ويدخل في نطاق الحصانة الشخصية ما يلي:


- الحرمة الشخصية حيث نصت الاتفاقية على صَون حُرمة المبعوث عبر عدم احتجازه، ومعاملته باحترام، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته (المادة 29 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية).


- حرمة المسكن حيث تقتضي حرمة شخص المبعوث الدبلوماسي أن يكون مسكنه له حرمة مطلقة مثل حرمة شخصه (المادة 30) لضمان استقلاله في أداء مهمته والمحافظة على هيبته. ويعني ذلك عدم جواز التعرض له أو دخوله من قِبل السلطات المحلية دون إذنه، وأوضحت لجنة القانون الدولي أن حصانة مسكن وملكية الدبلوماسي تمتد لتشمل مقر إقامته المؤقت وتشمل كذلك أمواله المنقولة كالأشياء الموجودة في منزله، وسيارته، وحسابه في البنك، ويُعلل ذلك بحسب لجنة القانون الدولي أن هذه الحُرمة تتفرّع عن تلك المتصلة بشخص المبعوث الدبلوماسي.


- أمتعة الدبلوماسي الشخصية حيث تعفى من التفتيش) المادة 36) ما لم يكن هناك مبررات جدية للاعتقاد بأنها تحتوي على مواد غير مخصصة للاستخدام الرسمي للبعثة أو الاستعمال الشخصي للدبلوماسي أو أفراد أسرته، أو في حال احتوائها على مواد محظورة مثل الخمور (المملكة العربية السعودية والكويت)، أو مواد ضمن اللوائح الخاصة بالحجر الصحي مثل المواد الغذائية الطازجة (أستراليا ونيوزلندا). وتتساهل العديد من الدول في موضوع تفتيش الأمتعة الشخصية ويتم الاستناد في ذلك عادةً على مبدأ المعاملة بالمثل. وتنظر بعض الدول إلى التفتيش بالأجهزة الإلكترونية على أنه مظهر من مظاهر الإخلال بالحصانة الشخصية للمبعوث سواءً كان التفتيش لشخصه أو لأمتعته، إلا أنّ الرأي السائد يرى جواز ذلك وخلصت لجنة القانون الدولي إلى أن الإعفاء يناقض التدابير الأمنية التي تمارسها معظم الدول لمواجهة المخاطر المستجدة والإرهاب العابر للإقليم، وتستثني بعض الدول رئيس البعثة من ذلك نظرًا لمكانته.


- حرية الإقامة والتنقل، حيث أن حرية التنقل من متطلبات عمل الدبلوماسي لأنه لا يستطيع القيام بعمله إلا إذا توفرت له الحرية الكاملة في الإقامة والتنقل بشرط عدم الإخلال بقوانين وأنظمة الدولة التي يعمل بها فيما يتعلّق بالأماكن الممنوع دخولها من قِبل الأجانب (المادة 26). ففي المملكة العربية السعودية، يُحظر على غير المسلمين الدخول لمنطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وذلك لا يشكل اعتداء على حرية التنقل. وتعمل معظم الدول على تسهيل تنقل الدبلوماسيين ومن ذلك إعفائهم من تأشيرات الدخول والإقامة.


- حرية الاتصالات وحرمتها، ويشمل ذلك وسائل الاتصال المختلفة التي يعتمد عليها الدبلوماسي في أداء مهامه وتلقي التعليمات من دولته، وتندرج من ضمنها الحقيبة الدبلوماسية التي تستخدم لنقل المراسلات الرسمية بين الدولة وبعثاتها لدى الدول الأخرى فلا يجوز فتحها أو حجزها، حيث نصت الاتفاقية على عدم جواز فتحها أو حجزها بشرط حملها لعلامات خارجية ظاهرة تُبيّن طبيعتها، واحتواءها على الوثائق الدبلوماسية والمواد المعدة للاستعمال الرسمي لكن لم يتم تحديد هذه المواد أو حجم الحقيبة (المادة 27). وتحفظت العديد من الدول على هذه المادة التي منحت الحقيبة الدبلوماسية حصانة مطلقة ومن ضمنها المملكة العربية السعودية. وورد في التحفظ أنه يجوز فتح الحقيبة الدبلوماسية إذا كان هناك شك في محتوياتها بحضور مندوب من بعثة الدولة المعتمدة، وممثل لوزارة الخارجية أو إعادتها، وتسمى هذه الممارسة في العرف الدبلوماسي بمبدأ التخيير، وهو ما كان معمولًا به قبل إبرام الاتفاقية. ويتساهل العديد من الدبلوماسيين في مسألة نقل محتويات كثيرة قد لا تدخل في إطار الأشياء المخصصة للاستعمال الرسمي عبر الحقائب الدبلوماسية أو قد تتضمن مواد محظورة كالأسلحة والمخدرات والآثار والمعادن الثمينة، وهناك حالات عديدة لممارسات في هذا السياق ومن ذلك ما كشفت عنه السلطات الإندونيسية من مصادرتها لعدد من الصناديق المُدرجة كحقائب دبلوماسية تحوي 400 رشاش بذخائرها مرسلة إلى السفارة الأفغانية. ومحاولة تهريب وزير مواصلات نيجيريا بعد اختطافه من المملكة المتحدة عام 1984م وقد قامت السلطات البريطانية بفتح الحقيبة بعد الاشتباه في محتواها لكن دون تصريح من الحكومة النيجيرية أو حضور ممثل عنها لدى فتح الحقيبة، ويذكر أن الحقيبة كتب على جانبها "أغراض خاصة بوزير الشؤون الخارجية في لاجوس" هذه الممارسات أدت إلى حصول إشكالات عديدة بين الدول نتيجة لإساءة استخدام الحقيبة الدبلوماسية. كما تعمد بعض الدول (إيطاليا، الكاميرون، النمسا، المملكة المتحدة، سويسرا، هولندا) إلى إخضاع الحقيبة الدبلوماسية للتفتيش باستخدام أجهزة التفتيش الإلكترونية وترى جواز ذلك، ولايزال هناك خلاف بين الدول حول الموضوع كون الاتفاقية لم تتضمن مواد حول أساليب التفتيش الإلكتروني حيث لم تكن قائمة وقت إبرامها.

أحدث منشورات

عرض الكل

تعليقات


bottom of page