top of page

الحالات الاستثنائية للجوء إلى الوسائل القسرية المسلحة في ميثاق الأمم المتحدة


-ذكرى عبدالله


إذا كان القانون الدولي المعاصِر قد جعلَ من الحرب العدوانية جريمةً دولية تُعاقب عليها الدول؛ فيتعيّن على أشخاص القانون الدولي التقيّد بالقاعدة القانونية التي تُلزمهم بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية المذكورة في المادة (41) من الميثاق، وفي الواقع اللجوء الى استخدام القوة ليس خياراً متاحاً بين أيديهم، إنما هو استثناءً عن الأصل وهو قاعدة حظر استعمال القوة في العلاقات الدولية، لكن ميثاق الأمم المتحدة أباح اللجوء إلى الوسائل القسرية المسلحة سواءً كانت وسائل برية أو بحرية أو جوية، في ثلاث حالات محددة على سبيل الحصر تتعلق على التوالي بنظام الأمن الجماعي، والدفاع الشرعي، وحالة تاريخية لم يعد لها في الوقت الراهن أي قيمة عملية تتمثّل في جواز استخدام القوة المسلحة ضد الدول الأعداء أثناء الحرب العالمية الثانية.


-الحالات الاستثنائية للجوء إلى استخدام القوة (الوسائل القسرية المسلحة) بموجب ميثاق الأمم المتحدة تشمل ثلاث حالات يمكن استخلاصها صراحة من ميثاق الأمم المتحدة:


الحالة الأولى: التدابير العسكرية في إطار نظام الأمن الجماعي:

تحدث في حال رأى مجلس الأمن أن التدابير السلمية المذكورة في المادة (41) التي تقر ألّا حاجة لاستخدام قوات مسلحة، لم تعد تفيد في وقف النزاع، فتجيز له استثناءً أن يتخذ تدابير مسلحة عن طريق القوات المسلحة الخاصة بأعضاء الأمم المتحدة، ما يفيدنا أن نظام الأمن الجماعي هو نظام بمقتضاه يحق لمجلس الأمن أو الجمعية العامة في حال عجَز مجلس الأمن عن ذلك بسبب مباشرة حق الاعتراض أو (الفيتو) من قِبل الدول الخمسة الدائمين التصرف في مواجهة الخطر الذي يُهدد السلام الدولي، فإذا رأى مجلس الأمن نزاع دولي يُشكِّل تهديداً على المجتمع الدولي يتعيّن عليه تطبيق نظام الأمن الجماعي المنصوص عليه في الفصل السابع من الميثاق واتخاذ التدابير اللازمة لردع الخطر الدولي. والأصل أن يتخذ مجلس الأمن التدابير العسكرية بنفسه بمعاونة لجنة أركان الحرب أو من خلال القوات المسلحة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولا مانع من أن يُفوّض المنظمات الدولية الإقليمية والأحلاف العسكرية في القيام بها تحت إشرافه، وأيضاً يحق لمجلس الأمن أن يُرخِّص لدول الأعضاء اتخاذها بنفسهم تحت إشرافه ورقابته.

يقوم هذا النظام في ميثاق الأمم المتحدة على أساس تركيز استخدام القوة في العلاقات الدولية بيد مجلس الأمن نائباً عن الجماعة الدولية، وهو يحدث بعد ارتكاب جريمة العدوان الدولي أو أي عمل آخر من شأنه تهديد السلم والأمن الدوليين أو الإخلال بهما، فهنا يتدخل مجلس الأمن الدولي لفرض الجزاءات المناسبة على الدولة المخالفة.

ومن أمثلة استخدام نظام الأمن الجماعي استخدام القوة المسلحة لتحرير الكويت من احتلال العراق ١٩٩١م، بناءً على قرار من مجلس الأمن رقم ٦٧٨، الذي تم اتخاذه بناءً على الفصل السابع من الميثاق.


-الحالة الثانية: الحق في الدفاع الشرعي:

‏‏أولاً؛ تعريف الدفاع الشرعي: ‏الدفاع الشرعي في مفهومه القانوني هو القيام بأي تصرف غير مشروع دولياً للرد على تصرف غير مشروع وقع ابتداءً -الفعل ورد الفعل- ويتم ذلك باستخدام القوة المسلحة لدفع خطر جسيم من قِبل المعتدي والعمل على إيقافه لحماية أمن الدولة ورعاياها. تعد فكرة الدفاع الشرعي مبعثه بديهية أن الحق في الحياة أساسياً غير مُعلّق، بل يعد أهم الحقوق الأساسية كافة للإنسان يتبوأ سائِر الحقوق، ولا يتأسس حق الدولة في البقاء على العرف الدولي والمبادئ العامة للقانون فحسب؛ ذلك أنه حق طبيعي بذاته لا يحتاج لنصوص قانونية تكفله، وميثاق الأمم المتحدة قيّد الشروع في الدفاع الشرعي بعدة شروط وهي:


  • الشرط الأول: وقوع عدوان مسلح على الدولة، لم يشترط ميثاق الأمم المتحدة أن يكون المعتدي دولة، وإنما ممكن أن يكون دولة أو جماعات مسلحة.

  • الشرط الثاني: التناسب، وأقرّهُ العرف الدولي لكن لم تقره المادة (٥١)، ذلك أن عدم التقيد بشرط التناسب بإمكانه إبعاد صفة الدفاع الشرعي عن وظيفته الأساسية فيتحول إلى عدوانٍ وحرب، أي يجب أن كل ما يصدر من الدولة المعتدى عليها من تدابير للدفاع عن نفسها يجب أن يكون بالقدر التي تلقته من ضرر، وهذا الشرط ورد ذكره في القرآن الكريم قال الله جلّ جلاله: (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَليْكُمْ فَاعْتدُوا عَلَيْه بِمثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) البقرة:١٩٤.

  • الشرط الثالث: وقوع عدوان مسلح (بالفعل)، فلا يكفي للشروع في الدفاع الشرعي أن يصدر من الدولة المعتدية مُجرد تهديد، بل لابد أن يكون عدوانٍ مسلح. وتباشِر الدولة الدفاع الشرعي لحين تدخل مجلس الأمن، وهذا يعني يجب أن تتوقف أعمال الدفاع الشرعي بمجرد تدخل مجلس الأمن.

  • الشرط الرابع: خضوع تدابير الدفاع الشرعي لرقابة مجلس الأمن، أي يجب على الدولة أن تُبلِّغ مجلس الأمن بكل التدابير التي اتخذتها بالتالي يقوم المجلس بالتأكد من مدى تطبيق الدولة لشروط الدفاع الشرعي، وهدف الرقابة هو الحيلولة دون التعسُّف في استخدام حق الدفاع الشرعي.

‏وهكذا فإن النظام القانوني الدولي يعترف بفكرة الدفاع الشرعي منذ وقتٍ طويل، ونص على ذلك في الاتفاقية الخامسة من اتفاقية لاهاي لسنة ١٩٠٧م، الخاصة بحقوق وواجبات الدول والأشخاص المحايدين في حدوث حرب نصت المادة (10) بأنه: "لا يمكن أن يعد عملا من أعمال القتال الفعل الذي تأتيه الدولة المحايدة ولو كان متضمنا استعمال القوة لدفع الاعتداء على حيادها".


-الحالة الثالثة: استخدام القوة المسلحة ضد الدول الأعداء السابقة:

‏ ترخص المادة (١٠٧) من ميثاق الأمم المتحدة بالقيام بأي عمل ضد الدول التي كانت أثناء الحرب العالمية الثانية أظهرت مُعاداتها لإحدى الدول الموقعة على الميثاق إذا كان هذا العمل قد أُتخذ بسبب هذه الحرب، ‏فهو يشمل التدابير العسكرية بحيث يجوز لأي من أعضاء الأمم المتحدة اتخاذها ضد دول المحور بمناسبة نزاع دولي قائم بينهم حول مسألة ذات علاقة بالحرب العالمية الثانية، والحقيقة أن القيمة العملية لهذا الاستثناء تكاد تكون مُنعدمة.


ختاماً، استخدام القوة بشتّى أشكالِها وأنواعها محظور، ويعتبر عدواناً وجريمةً دولية انطلاقاً من مبدأ حظر استعمال القوة في العلاقات الدولية ويعاقب مُرتكبيها أمام المحاكم الدولية أو الوطنية، لكن لا يمكننا إسباغ وصف العدوان على هذه الاستثناءات ومن ثم فهي لا تثير الجدل لاكتسابها الطابع الآمر الذي يتمتع به مبدأ الحظر ذاته.


أحدث منشورات

عرض الكل

مفهوم الحرب الباردة

- سارة العبدالحي الحرب الباردة، وصف غامض كثير التداول للمنافسة التي تحدث بين أي طرفان بينهما عدائية ليست بصريحة، فما هو أصلُ هذه الكلمة؟...

Comments


bottom of page