ترجمة: شهد بانخر
تُعرف اتفاقية جنيف بأنها سلسلة من الاجتماعات الدبلوماسية الدولية التي أسفرت عن عدد من الاتفاقيات لا سيما القانون الدولي الإنساني للنزاعات المسلحة، وهي مجموعة من القوانين الدولية التي تُعنى بالمعاملة الإنسانية للعساكر الجرحى أو الأسرى، وموظفي المهن الطبية، والمدنيين غير العسكريين أثناء الحرب أو النزاعات المسلحة. نشأت هذه الاتفاقيات عام ١٨٦٤م وحُدثت إلى حد كبير بعد الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٩م.
هنري دونانت
سافر رجل الأعمال السويسري هنري دونانت في عام ١٨٥٩ إلى مقر الإمبراطور نابليون الثالث في شمال إيطاليا بحثًا عن حقوق ملكية أرض لمشروع تجاري، ولكنه حصل على أكثر مما ساوم عليه بعدما شَهِد تداعيات المعركة الدموية التي وقعت في الحرب العالمية الثانية لاستقلال إيطاليا والتي تُدعى معركة سولفرينو. كان وقع ما رآه دونانت شديدًا عليه حيث ألَّفَ كتابًا في عام ١٨٦٢م سمَّاه (ذكرى سولفرينو)، ولكنه لم يكتب عمّا رآه فحسب، بل اقترح حلًّا أيضًا مفاده أن تجتمع جميع الدول لإنشاء مجموعات إغاثة متطوعة ومُدَربة لعلاج جرحى الحرب وتقديم المساعدة الإنسانية للمتضررين من آثار الحرب.
الصليب الأحمر
سافر وفود من ستة عشر دولةٍ مختلفة مع موظفين طبيين عسكريين إلى جنيف في أكتوبر عام ١٨٦٣م لمناقشة شروط اتفاقية إنسانية في زمن الحرب. ويُعرف هذا الاجتماع والمعاهدة التي نتجت عنه والتي وقعته اثنتا عشرة دولة باسم اتفاقية جنيف الأولى.
اتفاقيات جنيف في عامي ١٩٠٦م و١٩٢٩م
رتبت الحكومة السويسرية في عام ١٩٠٦م مؤتمرًا ضمَّ ٣٥ دولة لمراجعة التحسينات المراد إجراءها على اتفاقية جنيف الأولى وتحديثها، حيث قاموا بتوسعة تلك التعديلات لتشمل حماية الجرحى أو الأسرى في المعركة فضلًا عن الهيئات التطوعية والموظفين الطبيين المكلفين بالعلاج، والنقل، وإزالة الجرحى، والقتلى، كما قدمت توصية بإعادة المحاربين الأسرى إلى أوطانهم بدلًا من أن تكون إلزامية وحلّت اتفاقية عام ١٩٠٦م محل اتفاقية جنيف الأولى في عام ١٨٦٤م.
ولكن كان من الواضح أن اتفاقية عام ١٩٠٦م لم تنجح إلى حد بعيد، ولذلك أجريت تحديثات لتعزيز المعاملة المتحضرة لأسرى الحرب في عام ١٩٢٩م، وذكرت التحديثات الجديدة أنه يجب معاملة جميع السجناء برأفة والسماح لهم بالعيش تحت ظروف إنسانية. كما وضعت قواعدًا للحياة اليومية للسجناء وأنشئ الصليب الأحمر الدولي بوصفه المنظمة المحايدة الرئيسية المسؤولة عن جمع ونقل البيانات عن أسرى الحرب، والجرحى، أو القتلى.
اتفاقيات جنيف في عام ١٩٤٩م
وقعت ألمانيا على اتفاقية جنيف عام ١٩٢٩م، ولكن ذلك لم يمنعها من القيام بأعمال مروعة داخل ساحة المعركة وخارجها، وحتى في داخل معسكرات الاعتقال العسكرية ومعسكرات الاعتقال المدنية خلال الحرب العالمية الثانية. ونتيجةً لذلك؛ توسعت اتفاقيات جنيف في عام ١٩٤٩م لتشمل حماية المدنيين غير المقاتلين. ووفقًا للصليب الأحمر الأمريكي فقد أضافت المواد الجديدة عدة أحكام لتشمل حماية الموظفين الطبيين، والمرافق، والمعدات، والمدنيين الجرحى، والمرضى المرافقين للقوات العسكرية، والقساوسة المدنيين، والمدنيين الذين يحملون السلاح لمحاربة القوات الغازية. كما وضعت اتفاقية جنيف لعام ١٩٤٩م قوانينًا لحماية الجرحى، والمرضى، والغرقى من القوات المسلحة في البحر أو على سفن المستشفيات فضلًا عن العاملين الطبيين، والمدنيين المرافقين، والمعالجين للعسكريين كما توسعت هذه الحماية لتشمل أسرى الحرب رجالًا ونساءً.
كما وُضعت مواد جديدة لحماية المدنيين الجرحى، والمرضى، والحوامل، والأمهات، والأطفال، ونصت أيضَا على منع الترحيل الجماعي للمدنيين أو إجبارهم على العمل لصالح قوة احتلال بدون أجر. بالإضافة إلى تلقي جميع المدنيين للرعاية الطبية الكافية والسماح لهم بممارسة حياتهم اليومية قدر الإمكان.
بروتوكولات اتفاقيات جنيف الإضافية
في عام ١٩٧٧م، أضيفت البروتوكولات ١ و٢ إلى اتفاقيات عام ١٩٤٩م حيث زاد البروتوكول الإضافي الأول من حماية المدنيين، والعسكريين، والصحفيين أثناء النزاعات المسلحة الدولية، كما حظر استخدام الأسلحة التي تسبب إصابات أو معاناة لا داعي لها، أو تسبب ضررًا واسع النطاق وطويل الأمد وشديدًا على البيئة الطبيعية. ووفقًا للصليب الأحمر وُضع البروتوكول الإضافي الثاني لأن معظم ضحايا النزاعات المسلحة منذ اتفاقية ١٩٤٩م كانوا ضحايا حروب أهلية شرسة، ولذا ينص البروتوكول الإضافي الثاني على أن جميع الأشخاص الذين لا يحملون السلاح يجب أن يُعاملوا معاملة إنسانية.
تتبع أكثر من ١٩٠ دولة اتفاقيات جنيف بسبب اعتقادها بأن بعض سلوكيات ساحة المعركة شنيعة ومدمرة للغاية حيث إنها تضر المجتمع الدولي بأكمله. فإن هذه القواعد تساعد في رسم الحدود –قدر الإمكان في سياق الحروب والصراعات المسلحة– بين المعاملة الإنسانية للقوات المسلحة والموظفين الطبيين والمدنيين والوحشية غير المقيدة ضدهم.
مقتبس من:
Comentarios