top of page

الحصانة الدبلوماسية في ظل اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية

- رسيل المهيدب


تُعد اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية البداية الحقيقية لتدوين القواعد الدبلوماسية حيث أُخضعت القواعد العرفيّة للصياغة القانونية الرسمية، وأزالت بعض الشكوك والغموض الذي شابها سابقاً، وساعدت في تكييف القانون مع متطلبات المجتمع الدولي المعاصر، وأسهمت كذلك في دعم القانون الدولي العام وتطويره فيما يخص العلاقات الدبلوماسية بين الدول. وقد أدرك المجتمع الدولي ضرورة تدوين قواعد العلاقات الدبلوماسية العرفيّة حيث قامت الأمم المتحدة بتكليف اللجنة القانونية في الجمعية العامة بالقيام بهذه المهمة عام 1949م، وتمت الموافقة على تلك القواعد وقبولها على شكل اتفاقية والتوقيع عليها عام 1961م في مؤتمر عقد بفيينا، لذا سُميت باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.

تُعد الحصانات الدبلوماسية من أبرز المسائل التي تطرّقت لها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، فهي ضرورة تقتضيها مصلحة الوظيفة. فلكي يتمكن المبعوث الدبلوماسي من أداء المهام المناطة به من قبل دولته؛ يجب أن يتمتع بقدر من الحرية والاستقلال وإحاطته بالحرمة والرعاية لكون أي اعتداء عليه يمثل اعتداء على دولته، كما أن منحه الحصانات يعد تقديراً ومؤشراً على حسن النوايا والعلاقات الودية بين الدول. والحصانة الدبلوماسية تعني عدم التعرض للشخص الذي يتمتع بتلك الحصانة عبر مقاضاته وفق القضاء المحلي، كما يمنع على السلطات المحلية الدخول إلى دار البعثة، ويحصل بموجبها على عدد من الامتيازات، مع الأخذ بالاعتبار أن الحصانة الدبلوماسية مقيدة بمراعاة النظام العام للدولة المضيفة.


وقد تمايزت الممارسة الدبلوماسية في العديد من المسائل خصوصاً فيما يتعلق بالحصانات الدبلوماسية، وظهرت اختلافات بين الدول في تطبيق مواد اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، نظراً لكون الاتفاقية لم تأتي جامعة مانعة لكل أحكام العمل الدبلوماسي حيث احتوت على مواد اتصفت بالعموم ولم تتضمن وصف دقيق لكثيرٍ من الأمور، كما أنها تركت العديد من المسائل للعرف الدولي، ومبدأ المعاملة بالمثل، واللوائح والنظم المحلية، والاتفاقيات الثنائية المبرمة بين طرفي التمثيل الدبلوماسي.


ويشمل نطاق الحصانة الدبلوماسية من حيث الأشخاص كل من: الموظفين الدبلوماسيين وعائلاتهم (ممن يقيم في نفس السكن ولا يحمل جنسية البلد المضيف)، والموظفين الإداريين والفنيين (في حال لم يكونوا من رعايا الدولة المضيفة أو ممن يقيم إقامة دائمة بها)، والمستخدمين وهم من يقوم بأعمال الخدمة والصيانة والحراسة في دار البعثة الدبلوماسية (في حال لم يكونوا من رعايا الدولة المضيفة أو ممن يقيم إقامة دائمة بها).


ولو تمعنّا في الأشخاص المشمولين في الحصانة الدبلوماسية فقد نصت الاتفاقية على أن أفراد أسرة المبعوث من أهل بيته يتمتعون بنفس الحصانات التي يتمتع بها المبعوث (المادة 37 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية)، ولم يتضمن النص تحديد دقيق لأفراد الأسرة ودرجة قرابتهم نظراً لاختلاف مفهوم الأسرة لدى العديد من الدول، وسمحت الاتفاقية للدول بممارسة اختصاصها في الرقابة ووضع الضوابط في تحديد أسرة المبعوث الدبلوماسي المعتمد لديها. وأجمعت الدول على أنه يشمل الزوجة/الزوج والأبناء القاصرين، لكنها اختلفت حول بقية أفراد الأسرة والأبناء البالغين، فعلى سبيل المثال تُبدي الدول الإسلامية مرونة تجاه اعتبار الأبناء الإناث ضمن أفراد الأسرة ممن تشملهم الحصانة الدبلوماسية حتى يتزوجن، كما تسمح بعض الدول ومنها الولايات المتحدة الأمريكية بشمول الأبناء في الحصانة ما داموا في المراحل التعليمية (21 عام تقريباً). وتطالب بعض الدول باعتبار الشريك بغض النظر عن جنسه من أفراد الأسرة.


أمّا من حيث النطاق الزمني للحصانة الدبلوماسية، فتبدأ بالنسبة لرئيس البعثة من تاريخ تقديمه أوراق اعتماده أو من تاريخ وصوله (المملكة العربية السعودية باعتبار أنه سبق أن تمت الموافقة على ترشيحه)، أما الأعضاء الآخرين فتبدأ الحصانة من تاريخ تعيينهم بالبعثة وإخطار رئيس البعثة لوزارة الخارجية بهذا التعيين. وينتهي تمتع رئيس البعثة أو أحد أعضائها بالحصانة بانتهاء مهمته أو وفاته أو قطع العلاقات بين البلدين، وعادةً تمنح الدول على سبيل المجاملة فترة معقولة لرئيس البعثة أو لأحد أعضائها للمغادرة يستمر خلالها تمتعه بالحصانة. وفي حال انتهاء مهمة رئيس البعثة أو أحد أعضائها بسبب اعتباره شخص غير مرغوب فيه، تحدد الدولة المعتمد لديها مهلة محددة عليه المغادرة خلالها وتنتهي حصانته في نهايتها، مثال على ذلك أمهلت وزارة الخارجية اليونانية السفير الليبي 72 ساعة لمغادرة اليونان على خلفية سماح حكومة السراج بالتدخل العسكري التركي في ليبيا، وبانتهاء هذه المهلة يفقد الدبلوماسي كافة الحصانات والامتيازات الممنوحة له. أما بالنسبة للزوج/الزوجة فتنتهي الحصانة في حال الطلاق وإبلاغ وزارة الخارجية بذلك الطلاق، والأبناء تنتهي عند بلوغ سن الرشد أو أي تحديد آخر يُعمل به (مثل انتهائهم من المراحل التعليمية الأساسية).

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page